السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ} (8)

ولما ذكر صفاته وحّد نفسه فقال تعالى : { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى } التسعة والتسعون الوارد بها الحديث والحسنى تأنيث الأحسن وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هي أشرف المعاني وأفضلها .

روي أنّ لله تعالى أربعة آلاف اسم ألف لا يعلمها إلا هو وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة والأنبياء وأما الألف الرابعة فالمؤمنون يعلمونها فثلاثمائة في التوراة وثلاثمائة في الإنجيل وثلاثمائة في الزبور ومائة في القرآن تسعة وتسعون منها ظاهرة وواحد مكنون من أحصاها دخل الجنة وذكر في لا إله إلا الله فضائل كثيرة أذكر بعضها وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ومحبينا من أهلها .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء أستغفر الله ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } " .

وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ الله تعالى خلق ملكاً من الملائكة قبل أن يخلق السماوات والأرض وهو يقول أشهد أن لا إله إلا الله ماداً بها صوته لا يقطعها ولا يتنفس فيها ولا يتمها فإذا أتمها أمر إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت القيامة تعظيماً لله " .

وعن أنس قال صلى الله عليه وسلم : " مازلت أشفع إلى ربي ويشفعني وأشفع إليه ويشفعني حتى قلت يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله فقال يا محمد ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي لا أدع أحداً في النار قال لا إله إلا الله " .

وقال سفيان الثوري : سألت جعفر بن محمد عن { حم } { عسق } فقال الحاء حلمه والميم ملكه والعين عظمته والسين سناؤه والقاف قدرته يقول الله عز وجل بحلمي وملكي وعظمتي وسنائي وقدرتي لا أعذب بالنار من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله .

روي عن موسى عليه السلام أنه قال : يا رب علمني شيئاً أذكرك به قال : قل لا إله إلا الله ، قال : إنما أردت شيئاً تخصني به قال يا موسى لو أن السماوات السبع ومن فوقهنّ في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهنّ لا إله إلا الله ، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة } [ إبراهيم ، 24 ] أنها لا إله إلا الله { إليه يصعد الكلم الطيب } [ فاطر ، 10 ] لا إله إلا الله { وتواصوا بالحق } [ العصر ، 4 ] لا إله إلا الله { قل إنما أعظكم بواحدة } [ سبأ ، 46 ] لا إله إلا الله { وقفوهم إنهم مسؤولون } [ الصافات ، 24 ] عن قول لا إله إلا الله { بل جاء بالحق وصدق المرسلين } [ الصافات ، 37 ] هو لا إله إلا الله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ إبراهيم ، 27 ] هو لا إله إلا الله { ويضل الله الظالمين } [ إبراهيم ، 27 ] عن قول لا إله إلا الله .

وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال في السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة » قال الرازي وفي النكت ينبغي لأهل لا إله إلا الله أن يخلصوا في أربعة أشياء حتى يكونوا من أهل لا إله إلا الله التصديق والتعظيم والجلالة والحرمة فمن ليس له التصديق فهو منافق ومن ليس له التعظيم فهو مبتدع ومن ليس له الجلالة فهو مراء ومن ليس له الحرمة فهو فاجر وكذاب .

وحكي أنّ بشراً الحافي رأى كاغداً فيه بسم الله الرحمن الرحيم فرفعه وطيبه بالمسك فرأى في النوم كأنه نودي يا بشر طيبت اسمنا فنحن نطيب اسمك في الدنيا والآخرة .

وذكر أنّ صياداً كان يصيد السمك وكانت ابنته تطرحها في الماء وتقول إنما وقعت في الشبكة لغفلتها إلهنا تلك الصبية كانت ترحم غفلتها وكانت تلقيها مرة أخرى في البحر ونحن قد اصطادتنا وسوسة الشيطان وأخرجنا من بحر رحمتك فارحمنا بفضلك وخلصنا منه وألقنا في بحار رحمتك مرّة أخرى .

وعن محمد بن كعب القرظي قال : قال موسى : إلهي أي : خلقك أكرم عليك ؟ قال : الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكري ، قال : فأي خلقك أعظم ؟ قال : الذي يلتمس إلى علمه علم غيره ، قال : فأيّ خلقك أعدل ؟ قال : الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس ، قال : وأيّ خلقك أعظم جرماً ؟ قال : الذي يتهمني وهو الذي يسألني ثم لا يرضى بما قسمت له . إلهنا إنا لانتهمك فإنّا نعلم أنّ كل ما أحسنت به فهو فضل وكل ما لا تفعله فهو عدل فلا تؤاخذنا بسوء أفعالنا وأعمالنا .

وعن الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد سيعلم الجمع من أولى بالكرم أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع ؟ فيقومون فيتخطون رقاب الناس ، ثم يقال : أين الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ؟ ثم ينادي منادٍ أين : الحامدون الله كثيراً على كل حال ؟ ثم يكون الحساب على من بقي . إلهنا نحن حمدناك وأثنينا عليك بمقدار طاقتنا ومنتهى قدرتنا فاعف عنا بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، ولما عظّم الله تعالى حال القرآن وحال رسوله صلى الله عليه وسلم بما كلفه أتبع ذلك بما يقوي قلب رسوله صلى الله عليه وسلم من ذكر أحوال الأنبياء تقوية لقلبه في الإبلاغ كقوله تعالى : { وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك } [ هود ، 120 ] .