اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ} (8)

قوله : { اللهُ لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ }{[23122]} الجلالة إما مبتدأ والجملة المنفية خبرها ، وإما خبر{[23123]} لمبتدأ محذوف ، أي هو الله . والحسنى تأنيثُ الحسنِ ، وقد تقدم أن جمع التكسير في غير{[23124]} العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة{[23125]} .

ولما ذكر صفاته وحَّدَ نَفْسَه فقال : " اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ هوَ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى " .

فصل

قالوا{[23126]} : كلمة " لا " ههنا دخلت على الماهية ، فانتفت الماهية ، وإذا انتفت الماهية تنتفي كل أفرادها . وإنما " اللهُ " اسم علم للذات المعينة ، إذ لو كان اسم معنى لكان كلها محتملاً للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد .

وقالوا : " لاَ " استحقت عمل " إِنَّ " {[23127]} لمشابهتها لها من وجهين :

الأول : ملازمة الأسماء{[23128]} .

والآخر : تناقضهما . فإن أحدهما لتأكيد الثبوت{[23129]} ، والآخر لتأكيد النفي ، ومن عادتهم تشبيه أحد الضدين بالآخر في الحكم{[23130]} ، وإذا كان كذلك ، فنقول : لمَّا قالوا : إنَّ زيداً ذاهبٌ كان يجب أن يقولوا : ( لا رجلاً ذاهب ){[23131]} إلاَّ أنهم بنوا " لا " مع ما دخل عليه من الاسم المفرد على الفتح : أما البناء فلشدة اتصال حرف النفي بما{[23132]} دخل عليه كأنهما صارا مفرداً واحداً{[23133]} فلأنهم قصدوا البناء على الحركة المستحقة توقيفاً بين الدليل الموجب للإعراب ، والدليل الموجب للبناء{[23134]} . وخبره محذوف{[23135]} تقديره : لاَ إِله في الوجود ، ولا حول ولا قوةَ لنا ، وهذا يدل على أن الوجود زائد على الماهية . فإن قيل : تصور الثبوت مقدم{[23136]} على تصور السلب ، فإنَّ السلب ما لم يضف إلى الثبوت لا يمكن تصوره ، فكيف قدم هنا السلب على الثبوت ؟

فالجواب{[23137]} : لما كان هذا السلب من مؤكدات الثبوت لا جرم قدم عليه{[23138]} .

فصل{[23139]}

ينبغي لأهل لاَ إله إلاَّ الله أنْ يحصلوا أربعة أشياء حتى يكونوا من أهل لا إلهَ إلا الله : التصديق ، والتعظيم والحلاوة والحرية{[23140]} ، فمن ليس له التصديق فهو منافق ، ومَن ليس له التعظيم فهو مبتدع ، ومَن ليس له الحلاوة{[23141]} فهو من مراء ومَنْ ليس له الحرية{[23142]} فهو فاجر .

فصل

( قال بعضهم{[23143]} ){[23144]} قوله تعالى : { ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ }{[23145]} أنَّه لا إله إلاَّ الله . { إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ }{[23146]} لا إله إلاَّ الله { وَتَواصُّوْا بالحَقِّ }{[23147]} لا إله إلاَّ الله . { قُلْ إنَّمَا أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } {[23148]} بلا{[23149]} إله إلاَّ الله . { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئولُون } " {[23150]} عن قول لا إله إلاَّ الله . " بَلْ جَاءَ بالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِين " {[23151]} هو لا إله إلاَّ الله . " يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ فشي الحَيَاةِ الدُّنْيَا " {[23152]} هو لاَ إله إلاَّ الله . " وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمينَ " {[23153]} عن قول : لا إله إلاَّ الله{[23154]} .

فصل{[23155]}

قال عليه السلام{[23156]} : " أفضل الذكر لاَ إله إلاَّ الله ، وأفضل الدعاء أستغفر الله " ، ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فاعْلَم أنَّه لا إلهُ إلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤمِنينَ والمُؤْمِنَاتِ " {[23157]} وقال عليه السلام{[23158]} : " إنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ مَلَكاً من الملائكة قبل أن خلق{[23159]} السموات والأرض وهو يقول : أشهد{[23160]} أن لا إله إلاَّ الله مادًّا بها صوته لا يقطعها ، ولا يتنفس فيها ، ولا يتمها ، فإذَا أتمَّها أمر{[23161]} إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت{[23162]} القيامة تعظيماً لله تعالى " {[23163]} .

وعن{[23164]} أنس قال عليه السلام{[23165]} : " ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني ، وأشفع إليه ويشفعني ، حتى قلت : يا رب فيمن قال{[23166]} : لا إله إلا الله . قال : يا محمد هذه ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي ، لا أدع أحداً في النار قال لا إله إلا الله " وقال سفيان الثوري : سألت جعفر بن محمد عن " حم عسق " {[23167]} فقال : الحاء حُكمه ، والميم ملكه ، والعين عظمته ، والسين سناؤُه والقاف قدرتُه ، يقول الله عز وجل : بحكمي وملكي وعظمتي وسنائي ولا قدرتي لا أعذب بالنار من قال : لاَ إله إلاَّ الله محمد رسول الله .

وعن ابن عمر{[23168]} قال عليه السلام{[23169]} : " من قال في الشوق : لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ لهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيي ويُميتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَمُوتُ بيدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قدِير ، كَتَبَ الله لهُ أَلفَ حَسَنةٍ ومَحَا عَنْهُ ألفَ سيئةٍ و بَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ " {[23170]} .

وروي عن موسى بن عمران عليه السلام{[23171]} قال : يا رب علمني شيئاً أذكرك به قال : قل : لا إله إلاَّ الله ، قال : كل عبادك يقول{[23172]} : لا إله إلاَّ الله . فقال{[23173]} : قل : لا إله إلاَّ الله . قال : إنما أردت شيئاً تخصني به . قال يا موسى : لو أن السموات السبع ومن فوقهن في كفة{[23174]} ولا إله إلاَّ الله في كفة لماتْ بهِنَّ لاَ إله إلاَّ الله .

فصل{[23175]}

قيل : إنَّ الله تعالى أربعة آلاف اسم لا يعلمها إلا الله والأنبياء{[23176]} أما الألف الرابعة فإن المؤمنين يعلمونها ، فثلثمائة في التوراة ، وثلثمائة في الإنجيل ، وثلثمائة في الزبور ومائة في القرآنه تسعة{[23177]} وتسعون ظاهرة وواحد مكنون{[23178]} فمن{[23179]} أحصاها دخل الجنة .

واعلم أن الأسماء الواردة في القرآن منها ما ليس بانفراده ثناءً ومدحاً{[23180]} ، كقوله : جاعل ، وفالق{[23181]} ، وصانع . فإذا قيل : " فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً " {[23182]} صار{[23183]} مدحاً{[23184]} وأما الاسم الذي يكون مدحاً فمنه ما إذا قُرِنَ بغيره أبلغ نحو قولنا : حيّ ، فإذا قيل : الحَيُّ القَيُّومُ ، أو الحَيُّ{[23185]} الَّذِي لا يَمُوتُ . كان أبلغ . وأيضاً بديع . فإذن قلت : بَديعُ السَّمواتِ والأرضِ ، ازداد المدح .

ومن هذا الباب ما كان اسم مدح ولكن لا يجوز إفراده ، كقولنا : دَلِيلٌ ، وكَاشِفٌ ، فإذا قيل : يا دليلَ المتحيرين ، يا كاشفَ الضُرِّ والبلوى جاز .

ومنه ما يكون اسم مدح مفرداً ومقروناً كقولنا : الرَّحيم الكريمُ{[23186]} ( ومن الأسماء ما يكون تقارنُها أحسنَ كقولك : الأول الآخر ، المبدئ المعيد ، الظاهر الباطن ، العزيز الحكيم ){[23187]} .


[23122]:في ب: "الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى".
[23123]:في ب: خبر. وهو تحريف.
[23124]:في ب: عن. وهو تحريف.
[23125]:انظر البحر المحيط 6/227.
[23126]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/11.
[23127]:في ب: استحقت عملا. وهو تحريف.
[23128]:في ب: الأول عمل الأسماء وملازمتها.
[23129]:في ب: النبوة. وهو تحريف.
[23130]:في شرح التصريح: (قال أبو البقاء: وإنما عملت (لا) عمل (إنّ) لمشابهتها من أربعة أوجه: أحدها: أن كلا منهما يدخل على الجملة الاسمية. الثاني: أن كلا منهما للتأكيد فـ (لا) لتأكيد النفي و (إنّ) لتأكيد الإثبات. والثالث: أن (لا) نقيضة (إنّ) والشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره. والرابع: أن كلا منهما له صدر الكلام. 1/235.
[23131]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23132]:في ب: ما. وهو تحريف.
[23133]:في ب: كأنما مما دخلا مفردا. وهو تحريف.
[23134]:والمراد بالمفرد هنا ما ليس مضافا ولا شبيها به فيشمل المفرد والمثنى وجمع المذكر السالم، والمؤنث السالم، وجمع التكسير. واختلف في علة البناء: فقيل: لتضمنه معنى (من) كأن قائلا قال هل من رجل في الدار، فقال مجيبه: لا رجل في الدار. لأن نفي (لا) عام، بدليل ظهورها في قوله: فقام يذود الناس عنها بسيفه *** وقال ألا لا من سبيل إلى هند واختار هذا القول ابن عصفور وعلله بأن تركيب الاسم مع الحرف قليل والبناء للتضمن كثير. وقيل: تركيب الاسم مع الحرف تركيب خمسة عشر، هذا قول سيبويه والجماعة ويؤيده أنهم إذا فصلوا أعربوا فقالوا: لا فيها رجل ولا امرأة. والمفرد وجمع التكسير يبنيان على الفتح لخفته، وجمع المؤنث السالم يبنى على الكسر، وقيل على الفتح كقول الشاعر: إن الشباب الذي مجد عواقبه *** فيه نلذ ولا الذات للشِّيب والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما ينصبان به وهو الياء كقول الشاعر: تعز فلا إلفين بالعيش متعا *** ولكن لورّاد المنون تتابع وقول الآخر: يحشر الناس لا بنين ولا آ *** باء إلا وقد عنتهم شؤون وذهب المبرد إلى أنهما معربان. انظر شرح التصريح 1/338 – 240، الهمع 1/145ـ 146، شرح الأشموني 2/6-8.
[23135]:خبر (لا) النافية لجنس يحذف عند العلم به، وهذا الحذف غالب في لغة الحجاز ملتزم في لغة تميم وطيء فلم يلفظوا به أصلا نحو: لا ضير فلا فوت ولا ضرر، لا عدوى ولا طيرة لا بأس. وإنما كثر أو وجب ، لأن (لا) و ما دخلت عليه جواب استفهام عام، والأجوبة يقع فيها الحذف والاختصار كثيرا، ولهذا يكتفون فيها بـ (لا) و(نعم) ويحذفون الجملة بعدها رأسا. وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع (إلا) نحو لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإن لم يعلم بقرينة قالية أو حالية لم يجز الحذف عند أحد. انظر الهمع 1/146.
[23136]:في ب: يقدم.
[23137]:في ب: الجواب.
[23138]:آخر ما نقله ابن عادل هنا عن الفخر الرازي 22/11.
[23139]:هذه الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/10 – 11.
[23140]:في النسختين: الجلالة والحرمة.
[23141]:في النسختين: الجلالة.
[23142]:في النسختين: الحرمة.
[23143]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/11.
[23144]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23145]:وتكملة الآية: {أصلها ثابت وفرعها في السماء} [إبراهيم: 24].
[23146]:من قوله تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10].
[23147]:من قوله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 3]
[23148]:من قوله تعالى: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} [سبأ: 46].
[23149]:في ب: لا.
[23150]:[الصافات: 24].
[23151]:[الصافات: 37].
[23152]:من قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
[23153]:من قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
[23154]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/11.
[23155]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/10 – 11.
[23156]:في ب: قال صلى الله عليه وسلم.
[23157]:من الآية [19] من سورة محمد. أخرجه ابن ماجه (أدب) 2/1249 والترمذي (دعوات) 5/130.
[23158]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23159]:في ب: يخلق.
[23160]:أشهد: سقط من ب.
[23161]:في ب: أمر الله.
[23162]:في ب: وقامة. وهو تحريف.
[23163]:تعالى سقط في ب.
[23164]:في ب: عن.
[23165]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23166]:في الأصل: قالت. وهو تحريف.
[23167]:[الشورى: 1 ، 2].
[23168]:في الفخر الرازي : قال عمر.
[23169]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23170]:أخرجه الترمذي (دعوات) 5/155 – 156، وابن ماجه (تجارات) 2/752، والدارمي (استئذان) 2/293، وأحمد 1/47.
[23171]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23172]:في ب: يقولوا.
[23173]:في الأصل: قال.
[23174]:في كفة: سقط من ب.
[23175]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/12 – 13.
[23176]:في الفخر الرازي : يقال: إن الله تعالى أربعة آلاف اسم ألف لا يعلمها إلا الله تعالى وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة والأنبياء.
[23177]:في ب: وتسعة.
[23178]:في الأصل: وواحدة مكنونة.
[23179]:في الأصل: من.
[23180]:في ب: ومدح.
[23181]:في ب: فالق وجاعل.
[23182]:[الأنعام: 96] "وجاعل" قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر، و"جعل" قراءة عاصم وحمزة والكسائي. السبعة 263.
[23183]:صار: سقط من ب.
[23184]:في ب: ثناء ومدح.
[23185]:أو الحي: مكرر في الأصل.
[23186]:في ب: الرحيم العزيز الحكيم.
[23187]:ما بين القوسين سقط من ب.