قوله : { اللهُ لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ }{[23122]} الجلالة إما مبتدأ والجملة المنفية خبرها ، وإما خبر{[23123]} لمبتدأ محذوف ، أي هو الله . والحسنى تأنيثُ الحسنِ ، وقد تقدم أن جمع التكسير في غير{[23124]} العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة{[23125]} .
ولما ذكر صفاته وحَّدَ نَفْسَه فقال : " اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ هوَ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى " .
قالوا{[23126]} : كلمة " لا " ههنا دخلت على الماهية ، فانتفت الماهية ، وإذا انتفت الماهية تنتفي كل أفرادها . وإنما " اللهُ " اسم علم للذات المعينة ، إذ لو كان اسم معنى لكان كلها محتملاً للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد .
وقالوا : " لاَ " استحقت عمل " إِنَّ " {[23127]} لمشابهتها لها من وجهين :
الأول : ملازمة الأسماء{[23128]} .
والآخر : تناقضهما . فإن أحدهما لتأكيد الثبوت{[23129]} ، والآخر لتأكيد النفي ، ومن عادتهم تشبيه أحد الضدين بالآخر في الحكم{[23130]} ، وإذا كان كذلك ، فنقول : لمَّا قالوا : إنَّ زيداً ذاهبٌ كان يجب أن يقولوا : ( لا رجلاً ذاهب ){[23131]} إلاَّ أنهم بنوا " لا " مع ما دخل عليه من الاسم المفرد على الفتح : أما البناء فلشدة اتصال حرف النفي بما{[23132]} دخل عليه كأنهما صارا مفرداً واحداً{[23133]} فلأنهم قصدوا البناء على الحركة المستحقة توقيفاً بين الدليل الموجب للإعراب ، والدليل الموجب للبناء{[23134]} . وخبره محذوف{[23135]} تقديره : لاَ إِله في الوجود ، ولا حول ولا قوةَ لنا ، وهذا يدل على أن الوجود زائد على الماهية . فإن قيل : تصور الثبوت مقدم{[23136]} على تصور السلب ، فإنَّ السلب ما لم يضف إلى الثبوت لا يمكن تصوره ، فكيف قدم هنا السلب على الثبوت ؟
فالجواب{[23137]} : لما كان هذا السلب من مؤكدات الثبوت لا جرم قدم عليه{[23138]} .
فصل{[23139]}
ينبغي لأهل لاَ إله إلاَّ الله أنْ يحصلوا أربعة أشياء حتى يكونوا من أهل لا إلهَ إلا الله : التصديق ، والتعظيم والحلاوة والحرية{[23140]} ، فمن ليس له التصديق فهو منافق ، ومَن ليس له التعظيم فهو مبتدع ، ومَن ليس له الحلاوة{[23141]} فهو من مراء ومَنْ ليس له الحرية{[23142]} فهو فاجر .
( قال بعضهم{[23143]} ){[23144]} قوله تعالى : { ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ }{[23145]} أنَّه لا إله إلاَّ الله . { إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ }{[23146]} لا إله إلاَّ الله { وَتَواصُّوْا بالحَقِّ }{[23147]} لا إله إلاَّ الله . { قُلْ إنَّمَا أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } {[23148]} بلا{[23149]} إله إلاَّ الله . { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئولُون } " {[23150]} عن قول لا إله إلاَّ الله . " بَلْ جَاءَ بالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِين " {[23151]} هو لا إله إلاَّ الله . " يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ فشي الحَيَاةِ الدُّنْيَا " {[23152]} هو لاَ إله إلاَّ الله . " وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمينَ " {[23153]} عن قول : لا إله إلاَّ الله{[23154]} .
فصل{[23155]}
قال عليه السلام{[23156]} : " أفضل الذكر لاَ إله إلاَّ الله ، وأفضل الدعاء أستغفر الله " ، ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فاعْلَم أنَّه لا إلهُ إلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤمِنينَ والمُؤْمِنَاتِ " {[23157]} وقال عليه السلام{[23158]} : " إنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ مَلَكاً من الملائكة قبل أن خلق{[23159]} السموات والأرض وهو يقول : أشهد{[23160]} أن لا إله إلاَّ الله مادًّا بها صوته لا يقطعها ، ولا يتنفس فيها ، ولا يتمها ، فإذَا أتمَّها أمر{[23161]} إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت{[23162]} القيامة تعظيماً لله تعالى " {[23163]} .
وعن{[23164]} أنس قال عليه السلام{[23165]} : " ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني ، وأشفع إليه ويشفعني ، حتى قلت : يا رب فيمن قال{[23166]} : لا إله إلا الله . قال : يا محمد هذه ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي ، لا أدع أحداً في النار قال لا إله إلا الله " وقال سفيان الثوري : سألت جعفر بن محمد عن " حم عسق " {[23167]} فقال : الحاء حُكمه ، والميم ملكه ، والعين عظمته ، والسين سناؤُه والقاف قدرتُه ، يقول الله عز وجل : بحكمي وملكي وعظمتي وسنائي ولا قدرتي لا أعذب بالنار من قال : لاَ إله إلاَّ الله محمد رسول الله .
وعن ابن عمر{[23168]} قال عليه السلام{[23169]} : " من قال في الشوق : لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ لهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيي ويُميتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَمُوتُ بيدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قدِير ، كَتَبَ الله لهُ أَلفَ حَسَنةٍ ومَحَا عَنْهُ ألفَ سيئةٍ و بَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ " {[23170]} .
وروي عن موسى بن عمران عليه السلام{[23171]} قال : يا رب علمني شيئاً أذكرك به قال : قل : لا إله إلاَّ الله ، قال : كل عبادك يقول{[23172]} : لا إله إلاَّ الله . فقال{[23173]} : قل : لا إله إلاَّ الله . قال : إنما أردت شيئاً تخصني به . قال يا موسى : لو أن السموات السبع ومن فوقهن في كفة{[23174]} ولا إله إلاَّ الله في كفة لماتْ بهِنَّ لاَ إله إلاَّ الله .
فصل{[23175]}
قيل : إنَّ الله تعالى أربعة آلاف اسم لا يعلمها إلا الله والأنبياء{[23176]} أما الألف الرابعة فإن المؤمنين يعلمونها ، فثلثمائة في التوراة ، وثلثمائة في الإنجيل ، وثلثمائة في الزبور ومائة في القرآنه تسعة{[23177]} وتسعون ظاهرة وواحد مكنون{[23178]} فمن{[23179]} أحصاها دخل الجنة .
واعلم أن الأسماء الواردة في القرآن منها ما ليس بانفراده ثناءً ومدحاً{[23180]} ، كقوله : جاعل ، وفالق{[23181]} ، وصانع . فإذا قيل : " فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً " {[23182]} صار{[23183]} مدحاً{[23184]} وأما الاسم الذي يكون مدحاً فمنه ما إذا قُرِنَ بغيره أبلغ نحو قولنا : حيّ ، فإذا قيل : الحَيُّ القَيُّومُ ، أو الحَيُّ{[23185]} الَّذِي لا يَمُوتُ . كان أبلغ . وأيضاً بديع . فإذن قلت : بَديعُ السَّمواتِ والأرضِ ، ازداد المدح .
ومن هذا الباب ما كان اسم مدح ولكن لا يجوز إفراده ، كقولنا : دَلِيلٌ ، وكَاشِفٌ ، فإذا قيل : يا دليلَ المتحيرين ، يا كاشفَ الضُرِّ والبلوى جاز .
ومنه ما يكون اسم مدح مفرداً ومقروناً كقولنا : الرَّحيم الكريمُ{[23186]} ( ومن الأسماء ما يكون تقارنُها أحسنَ كقولك : الأول الآخر ، المبدئ المعيد ، الظاهر الباطن ، العزيز الحكيم ){[23187]} .