ولما ذكر تعالى أفعالهم وأقوالهم أتبع ذلك بذكر إنفاقهم وهو الصفة الخامسة بقوله تعالى : { والذين إذا أنفقوا } أي : للخلق أو الخالق في واجب أو مستحب أو مباح { لم يسرفوا } أي : لم يجاوزوا الحد في النفقة بالتبذير فيضيعوا الأموال في غير حقها { ولم يقتروا } أي : لم يضيقوا فيضيعوا الحقوق { وكان } أي : إنفاقهم { بين ذلك } أي : الإسراف والإقتار { قواماً } أي : وسطاً .
تنبيه : اسم كان ضمير يعود على الإنفاق المفهوم من قوله تعالى : أنفقوا وخبرها قواماً ، وبين ذلك معمول له ، وقيل : غير ذلك وذكر المفسرون في الإسراف والتقتير وجوهاً ؛ أحدها : قال الرازي وهو الأقوى وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقتير ، وبمثله أمر صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } ( الإسراء ، 29 ) إذ يقال : ما عال من اقتصد ، وسأل رجل بعض العلماء ما البناء الذي لا سرف فيه قال : ما سترك من الشمس وأكنك من المطر ، قال : فما الطعام الذي لا سرف فيه ؟ قال : ما سد الجوعة ، قال : فما اللباس الذي لا سرف فيه ؟ قال : ما ستر عورتك وأدفأك من البرد ، ثانيها : وهو قول ابن عباس : الإسراف النفقة في معصية الله تعالى ، والإقتار منع حق الله تعالى ، وقال مجاهد : لو أنفق أحد مثل جبل أبي قبيس ذهباً في طاعة الله تعالى لم يكن سرفاً ، ولو أنفق صاعاً في معصية الله تعالى كان سرفاً ، وقال الحسن : لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عما ينبغي وأنشدوا :
ذهاب المال في حمد وخير *** ذهاب لا يقال له ذهاب
وسمع رجل رجلاً يقول : لا خير في الإسراف ، فقال : لا إسراف في الخير ، وعن عمر بن عبد العزيز أنه شكر عبد الملك بن مروان حين زوجه ابنته وأحسن إليه فقال : وصلت الرحم وفعلت وصنعت وجاء بكلام كثير حسن فقال ابن لعبد الملك إنما هو كلام أعده لهذا المقام ، فسكت عبد الملك ، فلما كان بعد أيام دخل عليه والابن حاضر فسأله عن نفقته وأحواله ، فقال : النفقة بين الشيئين ، فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية فقال لابنه : يا بني هذا أيضاً مما أعده ، وثالثها السرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع في الدنيا وإن كان من حلال ؛ لأنه يؤدي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء ، فكانت الصحابة لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال والزينة ولكن كانوا يأكلون ما يسد جوعتهم ويعينهم على عبادة ربهم ويلبسون ما يستر عوراتهم ويقيهم من الحر والبرد ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا اشتراه فأكله ، وقرأ نافع وابن عامر يقتروا بضم التحتية وكسر الفوقية من أقتر ، وابن كثير وأبو عمر بفتح التحتية وكسر الفوقية من أقتر ، وابن كثير وأبو عمر بفتح التحتية وكسر الفوقية والكوفيون بفتح التحتية وضم الفوقية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.