السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

ولما ذكر تعالى ما تحلوا به من أصول الطاعات أتبعه بذكر ما تخلوا عنه من أمهات المعاصي التي هي الفحشاء والمنكر وهو الصفة السادسة بقوله تعالى : { والذين لا يدعون } أي : رحمة لأنفسهم واستعمالاً للعدل { مع الله } أي : الذي اختص بصفات الكمال { إلهاً آخر } أي : دعاءً جلياً بالعبادة ولا خفياً بالرياء ، ولما نفى عنهم ما يوجب قتل أنفسهم بخسارتهم إياها أتبعه نفي قتل غيرهم بقوله سبحانه : { ولا يقتلون النفس } رحمة للخلق وطاعة للخالق ولما كان من الأنفس ما لا حرمة له بين المراد بقوله تعالى : { التي حرم الله } أي : منع من قتلها { إلا بالحق } أي : بأن تعمل بما يبيح قتلها ، ولما ذكر القتل الجلي أتبعه الخفي بتضييع نسب الولد بقوله تعالى : { ولا يزنون } أي : رحمة للمزني بها ولأقاربها أن تنهتك حرماتهم مع رحمته لنفسه على أن الزنا أيضاً جار إلى القتل والفتن وفيه التسبب إلى إيجاد نفس بالباطل كما أن القتل سبب إلى إعدامها بذلك ، وقد روي في الصحيح عن عبد الله بن مسعود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم وفي رواية أكبر عند الله ؟ قال : «أن تدعو لله نداً وهو خلقك قال : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قال : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك » فأنزل الله تصديق ذلك ، { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } الآية .

وقد استشكل تصديق هذه الآية للخبر من حيث إن الذي فيه قتل خاص وزنا خاص ، والتقييد بكونه أكبر والذي فيها مطلق القتل والزنا من غير تعرض لعظم ؟ وأجيب : بدفع الإشكال بأنها نطقت بتعظيم ذلك من سبعة أوجه ؛ الأول : الاعتراض من بين المبتدأ الذي هو وعباد الرحمان وما عطف عليه والخبر الذي هو { أولئك يجزون الغرفة } على إحدى الروايتين بذكر هذه الثلاثة خاصة وذلك دال على مزيد الاهتمام الدال على الإعظام ، الثاني : الإشارة بأداة البعد في قوله تعالى : { ومن يفعل ذلك } أي : هذا الفعل العظيم القبيح مع قرب المذكورات فدل على أن البعد من رتبتها فهو إشارة إلى جميع ما تقدم ؛ لأنه بمعنى ما ذكر ، فلذلك وحده وأدغم لام يفعل في الذال أبو الحارث والباقون بالإظهار ، الثالث : التعبير باللقي مع المصدر المزيد الدال على زيادة المعنى في قوله : { يلق أثاماً } دون يأثم ويلق إثماً أي : جزاء إثمه .