السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (46)

ولما بين تعالى طريقة إرشاد المشركين بين طريقة إرشاد أهل الكتاب بقوله تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب } أي : اليهود والنصارى ظناً منكم أنّ الجدال ينفع أو يزيد في اليقين أو يردّ واحداً عن ضلال مبين { إلا بالتي } أي : بالمجادلة التي { هي أحسن } كمعارضة الخشونة باللين ، والغضب بالكظم والدعاء إلى الله تعالى بآياته والتنبيه على حججه كما قال تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن } ( المؤمنون ، 96 ) { إلا الذين ظلموا منهم } بأن حاربوا وأبوا أن يقروا بالجزية فجادلوهم بالسيف إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية ، وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة ، وعن قتادة : الآية منسوخة بقوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } ( التوبة : 29 ) ولا مجادلة أشدّ من السيف .

ولما بين تعالى عن موجب الخلاف أمر بالاستعطاف بقوله تعالى : { وقولوا } أي : لمن قبل الإقرار بالجزية إذا أخبروكم بشيء مما في كتبهم { آمنا بالذي أنزل إلينا } أي : من هذا الكتاب المعجز { وأنزل إليكم } من كتبكم أي : لأنه في أصله حق وإن كان قد نسخ ، منه ما نسخ وإن حدثوكم بشيء منه وليس عندكم ما يصدقه ولا ما يكذبه فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، لما روى أبو داوود أنه صلى الله عليه وسلم قال : «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم » أي : فإن هذا أدعى إلى الإنصاف وأنفى للخلاف .

ولما لم يكن هذا جامعاً للفريقين أتبعه بما يجمعه بقوله تعالى : { وإلهنا وإلهكم واحد } أي : لا إله لنا غيره ، وإن ادّعى بعضكم عزيراً والمسيح { ونحن له } خاصة { مسلمون } أي : خاضعون منقادون أتم انقياد فيما يأمرنا به بعد الأصول من الفروع سواء كانت موافقة لفروعكم كالتوجه بالصلاة إلى بيت المقدس ، أو ناسخة كالتوجه إلى الكعبة ولا نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله لنأخذ ما يشرعونه لنا مخالفاً لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .