السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ أَهۡلِكَ تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (121)

{ و } اذكر يا محمد { إذ غدوت من أهلك } أي : من حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها { تبوّىء } أي : تنزل { المؤمنين مقاعد } أي : مراكز يقفون فيها { للقتال والله سميع } لأقوالكم { عليم } بأحوالكم .

روي ( أنّ المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا عبد الله بن أبيّ ابن سلول ولم يدعه قط قبلها واستشاره ، فقال عبد الله وأكثر الأنصار : يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منا ، ولا دخل علينا إلا أصبنا منه فكيف وأنت فينا فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس أي : بكسر الباء وهو مكان لا ماء فيه ولا طعام وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي وقال بعض أصحابه : اخرج بنا إلى هؤلاء الأكلب لا يرون أنا قد جبنا عنهم وضعفنا .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني رأيت في منامي بقراً مذبحة حولي فأوّلتها خيراً ، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً فأولته هزيمة ، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم ) فقال رجال من المسلمين قد فاتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد : اخرج بنا إلى أعدائنا فلم يزالوا به حتى دخل ، فلبس لأمته أي : درعه فلما رأوه قد لبس لأمته ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه وقالوا : اصنع يا رسول الله ما رأيت فقال : ( لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة وأصبح بالشعب من أحد يوم السبت للنصف من شوّال سنة ثلاث من الهجرة ونزل في عدوة الوادي أي : بالعين المهملة وهي جانبه وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وسوى صفوفهم وأجلس خمسين من الرماة وأمّر عليهم عبد الله بن جبير بسفح الجبل وقال : انضحوا علينا بالنبل لا يأتون من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا ) .