تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذۡ غَدَوۡتَ مِنۡ أَهۡلِكَ تُبَوِّئُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلۡقِتَالِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (121)

الآية 121 وقوله تعالى : { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } قوله : { تبوئ } قيل : تهيئ للمؤمنين أمكنة القتال ، وقيل ، { تبوئ } تنزل المؤمنين ، وقيل : { تبوئ } للمؤمنين تتخذ للمؤمنين مقاعد لقتال المشركين ، وقيل : { تبوئ } توطن ، وقيل : تستعد للقتل ، كله يرجع إلى واحد .

ثم اختلف في أي حرب كان ؟ وفي أي يوم ؟ قال أكثر أهل التفسير : كان ذلك يوم أحد ، وقيل : إنه كان يوم الخندق ، وقيل : كان يوم الأحزاب ، فلا يعلم ذلك إلا بخبر يصح أنه كان يوم كذا ، لكن في ذلك أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ، ويختارون{[4285]} لهم المقاعد ، وعليهم تعاهد أحوالهم ورفع الخلل والضياع عنهم ما احتمل وسعهم ، وعليهم طاعة الأئمة وقبول الإشارة من الإمام وذلك في قوله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } ذكر مقاعد القتال في هذه الآية ، لكن الذي لزم من ذلك في آية أخرى ذكر الصف بقوله جل وعلا { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وذكر في الآية الأخرى الثبات بقوله جل وعلا { إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا } [ الأنفال : 45 ] .

والأصل أنهم أمروا بالثبات ، فالأحسن أن يختار لهم أمكنة لهم بها معونة على الثبات ، والله أعلم ، بقوله جل وعلا : { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } { ومن يولهم يومئذ دبره إلا محترفا لقتال أو متحيزا } [ الأنفال : 15 و 16 ] فيه رخصة الحملة على العدو وباجتهاد إن كان فيها تولي الأدبار ، ويحتمل أن يكون أراد بالمقاعد الأماكن والمواطن للقتال والحرب ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والله سميع عليم } يحتمل { سميع } لمقالتكم { عليم } بسرائركم ، ويحتمل { سميع } بذكركم الله والدعاء له ، لأنهم أمروا بالذكر لله والثبات للعدو بقوله جل وعلا : { فأثبتوا واذكروا الله كثيرا } [ الأنفال : 45 ] و{ عليم } بثوابكم ، ويحتمل قوله : { سميع عليم } البشارة من الله جلا وعلا بالنصر لهم والأمن من ضرر يلحقهم كقوله تعالى{[4286]} جل وعلا لموسى وهارون : { فقولا له قولا لينا } الآية { قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى } [ طه : 44 و 45 ] ، ثم قال جل وعلا : { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } [ طه : 46 ] أمنهما من عدوهما بقوله جل وعلا : { أسمع وأرى } فعلى ذلك يحتمل ذا في قوله جل وعلا : { سميع عليم } ويكون { سميع } أي أسمع دعاءكم بمعنى أجيب ، وأعلم ما به نصركم وظفركم ، والله أعلم .


[4285]:في الأصل وم: ويختار.
[4286]:ساقطة من الأصل من وم.