وفي استعمال غدا بمعنى صار ، فيكون فعلاً ناقصاً خلاف .
{ وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال } قال المسور بن مخرمة : قلت لعبد الرحمن بن عوف : أيْ خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد ، فقال : اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد : { وإذ غدوت من أهلك - إلى - ثم أنزل عليكم } ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما نهاهم عن اتخاذ بطانةٍ مِن الكفار ووعدهم أنّهم إنْ صبروا واتقوا فلا يضرُّكم كيدهم .
ذكرهم بحالة اتفق فيها بعض طواعية ، واتباع لبعض المنافقين ، وهو ما جرى يوم أحد لعبد الله بن أبي بن سلول حين انخذل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعه في الانخذال ثلاثمائة رجل من المنافقين وغيرهم من المؤمنين .
والجمهور على أن ذلك كان في غزوة أحد ، وفيها نزلت هذه الآيات كلها ، وهو قول : عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، والزهري ، والسدي ، وابن إسحاق .
وقال الحسن : كان هذا الغدو في غزوة الأحزاب .
وهو قول : مجاهد ، ومقاتل ، وهو ضعيف .
لأن يوم الأحزاب كان فيه ظفر المؤمنين ، ولم يجر فيه شيء مما ذكر في هذه الآيات بل قصتاهما متباينتان .
وقال الحسن أيضاً : كان هذا الغدو يوم بدر .
وذكر المفسرون قصة غزوة أحد وهي مستوعبة في كتب السير ، ونحن نذكر منها ما يتعلق بألفاظ الآية بعض تعلقٍ عند تفسيرها .
وظاهر قوله : وإذ غدوت ، خروجه غدوة من عند أهله .
وفسر ذلك بخروجه من حجرة عائشة يوم الجمعة غدوة حين استشار الناس ، فمِنْ مشير بالإقامة وعدم الخروج إلى القتال .
وأن المشركين إنْ جاؤوا قاتلوهم بالمدينة ، وكان ذلك رأيه صلى الله عليه وسلم .
ومن مشير بالخروج وهم : جماعة من صالحي المؤمنين فأتتهم وقعة بدر وتبوئة المؤمنين مقاعد للقتال ، على هذا القول هو أن يقسمَ أفطار المدينة على قبائل الأنصار .
وقيل : غدوه هو نهوضه يوم الجمعة بعد الصلاة وتبوئته في وقت حضور القتال .
وسماه غدواً إذ كان قد عزم عليه غدوة .
وقيل : غدوه كان يوم السبت للقتال .
ولما لم تكن تلك الليلة موافقة للغدو وكأنه كان في أهله ، والعامل في إذا ذكر .
وقيل : هو معطوف على قوله : { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } أي وآية إذ غدوت ، وهذا في غاية البعد .
ولولا أنه مسطور في الكتب ما ذكرته .
وكذلك قولُ مَنْ جعل من في معنى مع ، أي : وإذ غدوت مع أهلك .
وهذه تخريجات يقولها وينقلها على سبيل التجويز من لا بصر له بلسان العرب .
ومعنى تبويّء تنزل ، من المباءة وهي المرجع ومنه { لنبوئنهم من الجنة غرفاً } فليتبوأ مقعده من النار ، وقال الشاعر :
كم صاحب لي صالح *** بوّأته بيديّ لحدا
وما بوّأ الرحمن بيتك منزلا *** بشرقيّ أجياد الصفا والمحرم
ومقاعد : جمع مقعد ، وهو هناك مكان القعود .
وقد استعمل المقعد والمقام في معنى المكان .
ومنه : { في مقعد صدق } { قبل أن تقوم من مقامك }
وقال الزمخشري : وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار انتهى .
أمّا إجراء قعد مجرى صار فقال أصحابنا : إنما جاء في لفظة واحدة وهي شاذة لا تتعدى ، وهي في قولهم : شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة ، أي صارت .
وقد نقد على الزمخشري تخريج قوله تعالى : { فتقعد ملوماً } على أن معناه : فتصير ، لأن ذلك عند النحويين لا يطرد .
وفي اليواقيت لأبي عمر الزاهد قال ابن الأعرابي : القعد الصيرورة ، والعرب تقول : قعد فلان أميراً بعدما كان مأموراً أي صار .
وأمّا إجراء قام مجرى صار فلا أعلم أحداً عدّها في أخوات كان ، ولا ذكر أنها تأتي بمعنى صار ، ولا ذكر لها خبراً إلا أبا عبد الله بن هشام الحضراوي فإنه قال في قول الشاعر :
على ما قام يشتمني لئيم *** إنها من أفعال المقاربة
وقال ابن عطية : لفظة القعود أدل على الثبوت ، ولا سيما أنّ الرماة إنما كانوا قعوداً ، وكذلك كانت صفوف المسلمين أولاً ، والمبارزة والسرعان يجولون .
وجمع المقاعد لأنه عيّن لهم مواقف يكونون فيها : كالميمنة والميسرة ، والقلب ، والشاقة .
وبيّن لكل فريق منهم موضعهم الذي يقفون فيه .
خرج صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الجمعة ، وأصبح بالشعب يوم السبت للنصف من شوال ، فمشى على رجليه ، فجعل يصفّ أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح .
إنْ رأى صدراً خارجاً قال : « تأخر » ، وكان نزوله في غدوة الوادي ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد .
وأمر عبد الله بنَ جبير على الرماة وقال لهم : « انصحوا عنا بالنبل » لا يأتونا من ورائنا « .
وتبوىء جملة حالية من ضمير المخاطب .
فقيل : هي حال مقدرة ، أي خرجت قاصد التبوئة ، لأن وقت الغدوّ لم يكن وقت التبوئة .
وقرأ عبد الله : تبوِّىء من أبوأ ، عداه الجمهور بالتضعيف ، وعبد الله بالهمزة .
وقرأ يحيى بن وثاب : تبوى بوزن تحيا ، عداه بالهمزة ، وسهل لام الفعل بإبدال الهمزة ياء نحو : يقرى في يقرئ .
وقرأ عبد الله : للمؤمنين بلام الجر على معنى : ترتب وتهيىء .
ويظهر أنَّ الأصل تعديته لواحد بنفسه ، وللآخر باللام لأن ثلاثيه لا يتعدى بنفسه ، إنما يتعدى بحرف جر .
وقرأ الأشهب : مقاعد القتال على الإضافة ، وانتصاب مقاعد على أنه مفعول ثان لتبوى .
ومَنْ قرأ للمؤمنين كان مفعولاً لتبوىء ، وعداه باللام كما في قوله : { وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت } وقيل : اللام في لابراهيم زائدة ، واللام في للقتال لام العلة تتعلق بتبوىء .
وفي الآية دليل على أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ويختارون لهم المواضع للحرب ، وعلى الأجناد طاعتهم قاله : الماتريدي .
{ والله سميع عليم } أي سميع وقوالكم ، عليم بنياتكم .
وجاءت هاتان الصفتان هنا لأنّ في ابتداء هذه الغزوة مشاورة ومجاوبة بأقوال مختلفة ، وانطواء على نيات مضطربة حبسما تضمنته قصة غزوة أُحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.