السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

{ لنفتنهم } أي : نعاملهم معاملة المختبر بما لنا من العظمة { فيه } أي : في ذلك الماء الذي تكون عنده أنواع النعم لينكشف حال الشاكر والكافر .

قال الرازي : وهذا بعدما حبس عنهم المطر سنين ا . ه . قال الجلال المحلي : سبع سنين . وقال عمر رضي الله تعالى عنه : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة . وقال الحسن وغيره : كانوا سامعين مطيعين ، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر ففتنوا بها فوثبوا بإمامهم فقتلوه يعني عثمان رضي الله تعالى عنه . قال البقاعي : ويجوز أن يكون مستعاراً للعلم وأنواع المعارف الناشئة عن العبادات التي هي للنفوس كالنفوس للأبدان ، وتكون الفتنة بمعنى التخليص من الهموم والرذائل في الدنيا والنعم في الآخرة من فتنت الذهب ، إذا : خلصته من غشه .

{ ومن يعرض } أي : إعراضاً مستمراً إلى الموت { عن ذكر ربه } أي : مجاوزاً عن عبادة المحسن إليه المربي له الذي لا إحسان عنده من غيره . وقيل : المراد بالذكر القرآن ، وقيل : الوحي . وقيل : الموعظة . { نسلكه } أي : ندخله { عذاباً } يكون مظروفاً فيه كالخيط في ثقب الخرزة في غاية الضيق { صعداً } أي : شاقاً شديداً يعلوه ويغلبه ويصعد عليه ، ويكون كل يوم أعلى مما قبله جزاء وفاقاً . وقال ابن عباس : هو جبل في جهنم . قال الخدري : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت . وعن ابن عباس : أنّ المعنى مشقة من العذاب ، لأنّ الصعد في اللغة هو المشقة ، تقول : تصعدني الأمر إذا شق عليك ، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدني في خطبة النكاح ، يريد ما شق علي وما غلبني والمشي في الصعود يشق .

وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم . وقال الكلبي : يكلف الوليد بن المغيرة أن يصعد جبلاً في النار من صخرة ملساء يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها ولا يبلغ في أربعين سنة ، فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أيضاً الصعود فذاك دأبه أبداً وهو قوله تعالى : { سأرهقه صعوداً } [ المدثر : 17 ] وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء التحتية على الغيبة لإعادة الضمير على الله تعالى والباقون بالنون على الالتفات وهذا كما في قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } [ الإسراء : 10 ] ثم قال : { باركنا حوله لنريه من آياتنا } [ الإسراء : 1 ] .