السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ} (7)

وقوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } مرفوع منصوب المحل على الحال أي : لا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه كثيراً واجعله خالصاً لله تعالى ولا تطلب عوضاً أصلاً ، ومعنى تستكثر أي : طالباً للكثرة كارهاً أن ينقص المال بسبب العطاء ، فيكون الاستكثار هنا عبارة عن طلب العوض كيف كان ليكون عطاؤه صلى الله عليه وسلم خالياً عن انتظار العوض والتفات النفس إليه . وقيل : لا تعط شيئاً طالباً للكثير نهى عن الاستقرار وهو أن يهب شيئاً وهو يطمع أن يعوض من الموهوب له أكثر من الموهوب وهذا جائز ومنه الحديث : «المستكثر يثاب من هبته » وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون نهياً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر الآية ؛ لأنّ الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق والثاني : أنه نهي تنزيه لا تحريم له ولأمّته . وقيل : إنه تعالى لما أمره بأربعة أشياء : إنذار القوم وتكبير الرب وتطهير الثياب وهجر الرجز .

ثم قال : { ولا تمنن تستكثر } أي : لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقة كالمستكثر لما تفعله { ولربك فاصبر } أي : على الأوامر والنواهي متقرّباً بذلك إليه غير ممتن به عليه . وقال الحسن : بحسناتك تستكثرها . وقال ابن عباس : ولا تعط عطية ملتمساً بها أفضل منها . وقيل : لا تمنن على الناس بما تعلمهم من أمر الدين والوحي مستكثراً بذلك الإنعام ، فإنك إنما فعلت ذلك بأمر الله تبارك وتعالى فلا منة لك به عليهم .

ولهذا قال تعالى : { ولربك فاصبر } وقيل : لا تمنن عليهم بنبوّتك لتستكثر أي : لا تأخذ منهم أجراً على ذلك تستكثر به مالك ، وقال مجاهد والربيع : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير فإنه مما أنعم الله تعالى به عليك . وقال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك إنما عملك منة من الله تعالى عليك إذ جعل لك الله تعالى سبيلاً إلى عبادته . وقال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك لا تقل : دعوت فلم يستجب لي . وقيل : لا تفعل الخير لترائي به الناس .