وذكر المفسرون في سبب نزول قوله تعالى :
{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله } أقوالاً ، فعن النعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه ، فنزلت . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال العباس حين أسر يوم بدر : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام وبالهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ، فنزلت . وقيل : إن المشركين قالوا لليهود : نحن علينا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه ، فقالت لهم اليهود : أنتم أفضل ، فنزلت . وقيل : إنّ علياً قال للعباس رضي الله عنهما : يا عم ، ألا تهاجرون ألا تلحقون برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألست في أفضل من الهجرة أسقي حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام ، فلما نزلت قال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيراً ) وكان العباس عم النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده سقاية الحاج وكان يليها في الجاهلية فلما جاء الإسلام وأسلم العباس أقره صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وروي أنه صلى الله عليه وسلم جاء السقاية فاستسقى ، فقال العباس رضي الله عنه لابنه الفضل : يا فضل ، اذهب إلى أمّك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها ، فقال له صلى الله عليه وسلم : «اسقني » قال : يا رسول الله يجعلون أيديهم فيه ، قال : «اسقني » فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها ، فقال : «اعملوا فإنكم على عمل صالح » . وعن أبيّ بن عبد الله المزني رضي الله عنه قال : كنت جالساً مع ابن عباس عند الكعبة ، فأتاه أعرابي ، فقال : ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ أمن حاجة بكم أم من بخل ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : الحمد لله ما بنا من حاجة ولا بخل ، إنما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشربه وسقى فضله أسامة وقال : أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوه ، فلا نريد تغيير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيذ : تمر ينقع في الماء غدوة وهو حلال ، فإن غلا وخمر حرم .
تنبيه : السقاية والعمارة مصدران من سقى وعمر كالصيانة والوقاية ، فلا بد من مضاف محذوف تقديره أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله { لا يستوون عند الله } أي : لا يستوي حال هؤلاء الذين آمنوا بالله وجاهدوا في سبيل الله بحال من سقى الحاج وعمر المسجد الحرام وهو مقيم على كفره ؛ لأنّ الله تعالى لا يقبل عملاً إلا مع إيمان به وبيّن عدم تساويهم بقوله تعالى : { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي : الكفرة ظلمة بالشرك ومعاداة النبيّ صلى الله عليه وسلم منهمكون في الضلال ، فكيف يساوون الذين عاهدهم الله تعالى ووفقهم للحق والصواب ؟ وقيل : المراد بالظالمين الذين يسوّون بينهم وبين المؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.