السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء ، ومدنية في قول ابن عباس وأنس ابن مالك ، وهي إحدى عشرة آية ، وأربعون كلمة ، ومائة وثلاثة وستون حرفاً .

{ بسم الله } الذي له الأمر كله ، فلا يسأل عما يفعل { الرحمن } الذي نعمته أتم نعمة وأشمل ، { الرحيم } الذي خص أولياءه بتوفيقه ، وأتم نعمته عليهم وأكمل .

وقوله سبحانه وتعالى :

{ والعاديات ضبحاً } قسم أقسم الله سبحانه بخيل الغزاة تعدو فتضبح ، والضبح : صوت أنفاسها إذا عدون . وعن ابن عباس أنه حكاه فقال : أح أح ، قال عنترة :

والخيل تكدح حين تض *** بح في حياض الموت ضبحا

وانتصاب ضبحاً على يضبحن ضبحا أو بالعاديات ، كأنه قيل : والضابحات ضبحاً ؛ لأنّ الضبح يكون مع العدو ، أو على الحال ، أي : ضابحات ، والعاديات جمع عادية ، وهي الجارية بسرعة من العدو ، وهو المشي بسرعة .

وعن ابن عباس : كنت جالساً في الحجر فجاء رجل فسألني عن العاديات ضبحاً ففسرتها بالخيل ، فذهب إلى عليّ رضي الله عنه ، وهو تحت سقاية زمزم ، فسأله وذكر له ما قلت ، فقال : ادعه لي ، فلما وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد . العاديات ضبحاً الإبل من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى . قال الزمخشري : فإن صحت الرواية فقد استعير الضبح للإبل كما استعير المشافر والحافر للإنسان ، والشفتان للمهر وما أشبه ذلك . قال ابن عباس : وليس شيء من الحيوان يضبح غير الفرس والكلب والثعلب ، ونقل غيره أنّ الضبح يكون في الإبل والأسود من الحيات والبوم والضرو والأرنب والثعلب والفرس .