إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

{ يَوْمَ يَأْتِ } أي حين يأتي ذلك اليومُ المؤخَّرُ بانقضاء أجلِه كقوله تعالى : { أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة } [ يوسف ، الآية 107 ] وقيل : يومَ يأتي الجزاءُ الواقعُ فيه ، وقيل : أي الله عز وجل فإن المقام مقامُ تفخيمِ شأنِ اليوم وقرىء بإثبات الياء على الأصل { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ } أي لا تتكلم بما ينفع وينجّي من جواب أو شفاعةٍ ، وهو العاملُ في الظرف أو الانتهاء المحذوفِ في قوله تعالى : { إِلاَّ لأجل معْدُودٍ } أي ينتهي الأجل يوم يأتي أو المضمر المعهود أعني أذكر { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } عز سلطانه في التكلم كقوله تعالى : { لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن } [ النبأ ، الآية 38 ] وهذا في موطن من مواطنِ ذلك اليومِ وقولُه عز وجل : { هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات ، الآية 35 ] في موقف آخرَ من مواقفه كما أن قولَه سبحانه : { يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تجادل عَن نفْسِهَا } [ النحل ، الآية 111 ] في آخرَ منها أو المأذونُ فيه الجواباتُ الحقةُ والممنوعُ عنه الأعذار الباطلةُ ، نعم قد يُؤذن فيها أيضاً لإظهار بطلانِها كما في قول الكفرة : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام ، الآية 23 ] ونظائرِه { فَمِنْهُمْ شقي } وجبت له النارُ بموجب الوعيد { وَسَعِيدٌ } أي ومنهم سعيدٌ ، حُذف الخبرُ لِدلالة الأولِ عليه وهو من وجبت له الجنةُ بمقتضى الوعد ، والضميرُ لأهل الموقفِ المدلولِ عليهم بقوله : { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ } [ البقرة ، الآية 233 ] أو للناس ، وتقديمُ الشقيِّ على السعيد لأن المقامَ مقامُ التحذير والإنذار .