إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا} (39)

{ ذلك } أي الذي تقدم من التكاليف المفصلة { مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ } أي بعضٌ منه أو من جنسه { مِنَ الحكمة } التي هي علمُ الشرائعِ أو معرفةُ الحق لذاته والعملُ به ، أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخُ والفساد . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآياتِ الثمانيَ عشرةَ كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها : { لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ } قال تعالى : { وَكَتَبْنَا لَهُ في الألواح مِن كُلّ شَيء مَّوْعِظَةً } وهي عشرُ آيات في التوراة . ومِنْ إما متعلقةٌ بأوحى على أنها تبعيضية أو ابتدائيةٌ ، وإما بمحذوف وقع حالاً من الموصول أو من ضميره المحذوفِ في الصلة أي كائناً من الحِكمة ، وإما بدلٌ من الموصول بإعادة الجار .

{ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخَرَ } الخطابُ للرسول عليه الصلاة والسلام والمراد غيرُه ممن يتصور منه صدورُ المنهيِّ عنه ، وقد كُرر للتنبيه على أن التوحيد مبدأُ الأمرِ ومنتهاه وأنه رأسُ كل حكمةٍ وملاكُها ، ومن عدمِه لم تنفعْه علومُه وحكمته وإن بذّ فيها أساطينَ الحكماء وحكّ بيافوخه عنان السماء ، وقد رتب عليه ما هو عائدُ الإشراك أولاً حيث قيل : فتقعدَ مذموماً مخذولاً ورُتّب عليه هاهنا نتيجتُه في العقبى فقيل : { فتلقى في جَهَنَّمَ مَلُومًا } من جهة نفسِك ومن جهة غيرك { مَّدْحُورًا } مبعَداً من رحمة الله تعالى ، وفي إيراد الإلقاءِ مبنياً للمعفول جرْيٌ على سنن الكبرياء وازدراءٌ بالمشرك وجعلٌ له من قبيل خشبةٍ يأخذها آخذٌ بكفه فيطرحها في التنور .