إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلٗا} (37)

{ قَالَ لَهُ صاحبه } استئناف كما سيق { وَهُوَ يحاوره } جملةٌ حاليةٌ كما مر فائدتُها التنبيهُ من أول الأمرِ على أن ما يتلوه كلامٌ معتنًى بشأنه مسوقٌ للمحاورة { أَكَفَرْتَ } حيث قلت : ما أظن الساعةَ قائمةً { بالذي خَلَقَكَ } أي في ضمن خلقِ أصلِك { مّن تُرَابٍ } فإن خلْقَ آدمَ عليه السلام منه متضمّنٌ لخلقه منه لِما أن خلقَ كل فردٍ من أفراد البشر له حظٌّ من خلقه عليه السلام إذ لم تكن فطرتُه الشريفةُ مقصورةً على نفسه ، بل كانت أُنموذجاً منطوياً على فطرة سائرِ أفرادِ الجنسِ انطواءً إجمالياً مستتبِعاً لجريان آثارِها على الكل ، فكان خلْقُه عليه السلام من التراب خَلْقاً للكل منه ، وقيل : خلقَك منه لأنه أصلُ مادتِك إذ به يحصُل الغذاءُ الذي منه تحصل النطفةُ فتدبر { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } هي مادتُك القريبة فالمخلوقُ واحدٌ والمبدأُ متعددٌ { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } أي عَدلك وكمّلك إنساناً ذكراً أو صيّرك رجلاً ، والتعبيرُ عنه تعالى بالموصول للإشعار بعلية ما حيز الصلة لإنكار الكفرِ والتلويحِ بدليل البعثِ الذي نطق به قولُه عز من قائل : { يا أيها الناس إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّنَ البعث فَإِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ } الخ .