اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلٗا} (37)

قوله : { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ } أي المسلم .

قوله : { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ } أي : خلق أصلك من تراب ، وهذا يدلُّ على أنَّ الشاكَّ في البعث كافرٌ .

ووجه الاستدلال أنَّه ، لمَّا قدر على [ الابتداء ]{[21067]} ، وجب أن يقدر على الإعادة .

وأيضاً : فإنَّه تعالى ، لمَّا خلقك هكذا ، فلم يخلقك عبثاً ، وإنَّما خلقك للعبودية ، وإذا خلقك لهذا المعنى ، وجب أن يحصل للمطيع ثوابٌ ، وللمذنب عقابٌ ؛ ويدلُّ على هذا قوله : { ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } أي : هيَّأك تهيئة تعقل وتصلح أنت للتكليف ، فهل يحصل للعاقل مع هذه الآية إهمال أمرك ؟ ! .

قوله : { مِن نُّطْفَةٍ } النُّطفة في الأصل : القطرة من الماء الصافي ، يقال : نَظفَ يَنطفُ ، أي : قطرَ يَقطُر ، وفي الحديث : " فَخرجَ ، ورَأسهُ يَنطفُ " وفي رواية : يَقطرُ ، وهي مفسِّرةٌ ، وأطلق على المنيِّ " نُطفَةٌ " تشبيهاً بذلك .

قوله : " رجُلاً " فيه وجهان :

أحدهما : أنه حالٌ ، وجاز ذلك ، وإن كان غير منتقلٍ ، ولا مشتقٍّ ؛ لأنه جاء بعد " سوَّاك " إذ كان من الجائز : أن يسوِّيهُ غير رجل ، وهو كقولهم : " خَلقَ الله الزَّرافةَ يَديْهَا أطْولَ من رِجْلَيْهَا " وقول الآخر : [ الطويل ]

فَجاءَتْ بِهِ سَبْطَ العِظامِ كأنَّما *** عِمامَتهُ بيْنَ الرِّجالِ لِوَاءُ{[21068]}

والثاني : أنه مفعول ثانٍ ل " سَوَّاكَ " لتضمُّنه معنى خلقك ، وصيَّرك وجعلك ، وهو ظاهر قول الحوفيِّ .


[21067]:في أ: البدأة.
[21068]:البيت لرجل من بني بلقيس بن خباب بن بلقيس، ينظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1/270، الخزانة 9/488، شرح ابن عقيل 1/626، الأشموني 2/170، الدر المصون 4/456.