إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَنَذۡكُرَكَ كَثِيرًا} (34)

{ كَي نُسَبّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } غايةٌ للأدعية الثلاثةِ الأخيرة فإن فعل فيها كل واحد منهما من التسبيح والذكر مع كونه مكثِراً لفعل الآخر ومضاعفاً له بسبب انضمامِه إليه مكثرٌ له في نفسه أيضاً بسبب تقويتِه وتأييدِه ، إذ ليس المرادُ بالتسبيح والذكر ما يكون منهما بالقلب أو في الخلَوات حتى لا يتفاوت حالُه عند التعدد والانفرادِ ، بل ما يكون منهما في تضاعيف أداءِ الرسالة ودعوةِ المَرَدة العُتاة إلى الحق ، وذلك مما لا ريب في اختلاف حالِه في حالتي التعددِ والانفراد فإن كلاًّ منهما يصدر عنه بتأييد الآخر من إظهار الحقِّ ما لا يكاد يصدر عنه مثلُه في حال الانفراد . وكثيراً في الموضعين نعتٌ لمصدر محذوف أو زمانٍ محذوف أي ننزّهك عما لا يليق بك من الصفات والأفعال التي من جملتها ما يدّعيه فرعونُ الطاغيةُ ويقبَلُه منه فئتُه الباغية من ادّعاء الشِرْكةِ في الألوهية ، ونصفُك بما يليق بك من صفات الكمالِ ونعوتِ الجمالِ والجلالِ تنزيهاً كثيراً أو زماناً كثيراً من جملته زمانُ دعوةِ فرعون وأوانُ المُحاجّة معه . وأما ما قيل من أن المعنى كي نصليَ لك كثيراً ونحمَدَك ونُثنيَ عليك فلا يساعده المقام .