إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ} (15)

وقوله تعالى : { إِنَّ الساعة آتِيَةٌ } تعليلٌ لوجوب العبادة وإقامةِ الصلاة أي كائنةٌ لا محالة ، وإنما عُبّر عن ذلك بالإتيان تحقيقاً لحصولها بإبرازها في معرِض أمرٍ محققٍ متوجِّهٍ نحو المخاطبين { أَكَادُ أُخْفِيهَا } أي لا أظهرها ، بأن أقول : إنها آتيةٌ ، ولولا أن ما في الإخبار بذلك من اللطف وقطعِ الأعذار لما فعلتُ ، أو أكاد أظهرُها بإيقاعها من أخفاه إذا أظهره بسلب خفائِه ، ويؤيده القراءةُ بفتح الهمزة من خفاه بمعنى أظهره ، وقيل : أخفاه من الأضداد يجيء بمعنى الإظهار والسَّترِ . وقوله تعالى : { لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى } متعلقٌ بآتيةٌ ، وما بينهما اعتراضٌ أو بأخفيها على المعنى الأخير ، وما مصدرية أي لتُجزى كلُّ نفس بسعيها في تحصيل ما ذُكر من الأمور المأمور بها ، وتخصيصُه في معرِض الغاية لإتيانها مع أنه لجزاء كلِّ نفس بما صدر عنها سواءٌ كان سعياً فيما ذكر ، أو تقاعداً عنه بالمرة ، أو سعياً في تحصيل ما يُضادّه للإيذان بأن المرادَ بالذات من إتيانها هو الإثابةُ بالعبادة ، وأما العقابُ بتركها فمن مُقتَضَيات سوءِ اختيارِ العصاة وبأن المأمورَ به في قوة الوجوبِ والساعةَ في شدة الهول والفظاعة يوجِبان على كل نفسٍ أن تسعى في الامتثال بالأمر وتجِدَّ في تحصيل ما ينجّيها من الطاعات ، وحينئذ تحترز عن اقتراف ما يُرديها من المعاصي ، وعليه مدارُ الأمر في قوله تعالى : { وَهُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } فإن الابتلأَ مع شموله لكافة المكلفين باعتبار أعمالِهم المنقسمةِ إلى الحسن والقبيح أيضاً لا إلى الحسن والأحسَن فقط قد عُلّق بالأخيرين ، لما ذكر من أن المقصودَ الأصليَّ من إبداع تلك البدائعِ على ذلك النمط الرائعِ إنما هو ظهورُ كمالِ إحسانِ المحسنين وأن ذلك لكونه على أتم الوجوه الرائقةِ وأكملِ الأنحاءِ اللائقةِ يوجب العملَ بموجبه بحيث لا يحيد أحدٌ عن سَننه المستبين ، بل يهتدي كلُّ فرد إلى ما يرشد إليه من مطلق الإيمان والطاعة ، وإنما التفاوتُ بينهم في مراتبهما بحسب القوة والضعفِ ، وأما الإعراض عن ذلك والوقوعُ في مهاوي الضلال فبمعزل من الوقوع فضلاً عن أن ينتظم في سلك الغايةِ لذلك الصنعِ البديع ، وإنما هو عملٌ يصدُر عن عامله بسوء اختيارِه من غير مصحِّحٍ له أو مسوِّغ . هذا ويجوز أن يُراد بالسعي مطلقُ العمل .