{ زُيّنَ لِلنَّاسِ } كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان حقارةِ شأن الحظوظ الدنيوية بأصنافها وتزهيدٌ للناس فيها وتوجيهٌ لرغباتهم إلى ما عنده تعالى إثرَ بيانِ عدم نفعِها للكفرة الذين كانوا يتعزّزون بها والمرادُ بالناس الجنس { حُبُّ الشهوات } الشهوة نزوعُ النفس إلى ما تريده والمراد هاهنا المشتهَيات ، عبّر عنها بالشهوات مبالغةَ كونِها مشتهاةً مرغوباً فيها كأنها نفسُ الشهوات أو إيذاناً بانْهماكِهم في حبها بحيث أحبوا شهواتِها كما في قوله تعالى : { إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير } [ ص ، الآية 32 ] أو استرذالاً لها فإن الشهوة مسترذَلةٌ مذمومة من صفات البهائم ، والمزيِّنُ هو الباري سبحانه وتعالى إذ هو الخالقُ لجميع الأفعال والدواعي والحكمةُ في ذلك ابتلاؤهم ، قال تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ } [ الكهف ، الآية 7 ] الآية ، فإنها ذريعة لنيل سعادة الدارين عند كونِ تعاطيها على نهج الشريعةِ الشريفة ووسيلةً إلى بقاء النوع ، وإيثارُ صيغة المبني للمفعول للجري على سَنن الكبرياء ، وقرئ على البناء للفاعل وقيل : المزيِّنُ هو الشيطان لما أن مساقَ الآية الكريمة على ذمها . وفرّق الجبائيّ بين المباحات فأسند تزيينها إليه تعالى ، وبين المحرمات فنسب تزيينها إلى الشيطان { مِنَ النساء والبنين } في محل النصب على أنه حال من الشهوات وهي مفسِّرة لها في المعنى ، وقيل : { مِنْ } لبيان الجنس وتقديمُ النساء على البنين لعراقتهن في معنى الشهوة فإنهن حبائلُ الشيطان وعدم التعرض للبنات لعدم الاطّراد في حبهن { والقناطير المقنطرة } جمعُ قِنطار وهو المالُ الكثير ، وقيل : مائةُ ألفِ دينار وقيل : ملءُ مَسْكِ ثور ، وقيل : سبعون ألفاً وقيل : أربعون ألفَ مثقالٍ ، وقيل : ثمانون ألفاً وقيل : مائةُ رِطل وقيل : ألفٌ ومِائتَا مثقالٍ ، وقيل : ألفُ دينار وقيل : مائة قنطار ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم وقيل : ديةُ النفس واختلف في أن وزنه فعلال أو فنعال ، ولفظُ ( المقنطرة ) مأخوذ منه للتأكيد كقولهم : بَدْرةٌ مُبدَرة ، وقيل : المقنطرة المحْكمة المحْصنة ، وقيل : الكثيرة المُنضّدة بعضُها على بعض أو المدفونة المضروبة المنقوشة .
{ مِنَ الذهب والفضة } بيان للقناطير أو حال { والخيل } عطف على القناطير وقيل : هي جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط ، والواحد فرس وقيل : واحدُه خائل وهو مشتق من الخُيلاء { المسومة } أي المُعْلمة من السِمة وهي العلامة أو المرْعيّة من أسام الدابة وسوَّمها إذا أرسلها وسيَّبها للرعي أو المُطَهّمة التامةُ الخَلقْ { والأنعام } أي الإبل والبقر والغنم { والحرث } أي الزرع مصدر بمعنى المفعول .
{ ذلك } أي ما ذكر من الأشياء المعهودة { مَّتَاعَ الحياة الدنيا } أي ما يُتمتّع به في الحياة الدنيا أياماً قلائلَ فتفنى سريعاً { والله عِندَهُ حُسْنُ المآب } حسنُ المرجِع ، وفيه دلالةٌ على أن ليس فيما عُدّد عاقبةٌ حميدة ، وفي تكرير الإسناد بجعل الجلالة مبتدأ وإسنادِ الجملة الظرفية إليه زيادةُ تأكيدٍ وتفخيم ومزيدُ اعتناء بالترغيب فيما عند الله عز وجل من النعيم المقيم ، والتزهيدُ في ملاذّ الدنيا وطيباتها الفانية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.