إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (20)

{ فَإنْ حَاجُّوكَ } أي في كون الدين عند الله الإسلامَ أو جادلوك فيه بعد ما أقمت عليهم الحجج { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ } أي أخلصتُ نفسي وقلبي وجملتي ، وإنما عبر عنها بالوجه لأنه أشرفُ الأعضاء الظاهرة ومظهرُ القُوى والمشاعر ومجمعُ معظم ما تقع به العبادةُ من السجودِ والقراءة وبه يحصل التوجُّه إلى كل شيء { لِلَّهِ } لا أشرك به فيها غيرَه وهو الدينُ القويم الذي قامت عليه الحججُ ودعت إليه الآياتُ والرسلُ عليهم السلام { وَمَنِ اتبعن } عطفٌ على المتصل في أسلمتُ وحسُن ذلك لمكان الفصل الجاري مجرى التأكيد بالمنفصل أي وأسلم من اتبعني أو مفعول معه

{ وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب } أي من اليهود والنصارى ، وُضِع الموصولُ موضعَ الضمير لرعاية التقابل بين وصفي المتعاطِفَيْن { والأميين } أي الذين لا كتابَ لهم من مشركي العرب { أأَسْلَمْتُمْ } متّبعين لي كما فعل المؤمنون فإنه قد أتاكم من البينات ما يوجبه ويقتضيه لا محالة فهل أسلمتم وعمِلتم بمقتضاها ، أو أنتم على كفركم بعدُ ؟ كما يقول من لخّص لصاحبه المسألة ولم يدَعْ من طرق التوضيح والبيان مسلكاً إلا سلكه فهل فهِمتها ؟ على منهاج قوله تعالى : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة ، الآية 91 ] إثرَ تفصيلِ الصوارفِ عن تعاطي الخمر والميسِر وفيه من استقصارهم وتعبيرِهم بالمعاندة وقلةِ الإنصافِ وتوبيخِهم بالبلادة وكلّة القريحةِ ما لا يخفى .

{ فَإِنْ أَسْلَمُواْ } أي كما أسلمتم وإنما لم يصرّح به كما في قوله تعالى : { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ } حسماً لباب إطلاق اسم الإسلام على شيء آخر بالكلية { فَقَدِ اهتدوا } أي فازوا بالحظ الأوفر ونجَوْا عن مهاوي الضلال { وَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن الاتباع وقَبول الإسلام { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } قائم مقامَ الجواب أي لم يضرّوك شيئاً إذْ ما علي إلا البلاغُ وقد فعلت على أبلغِ وجه ، رُوي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآيةَ على أهل الكتاب قالوا : أسلمنا ، فقال عليه السلام لليهود : « أتشهدون أن عيسى كلمةُ الله وعبدُه ورسولُه ؟ » فقالوا : معاذ الله ، قال عليه الصلاة والسلام للنصارى : « أتشهدون أن عيسى عبدُ الله ورسولُه ؟ » فقالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبداً وذلك قولُه عز وجل : { وَإِن تَوَلَّوْاْ } { والله بَصِيرٌ بالعباد } عالم بجميع أحوالهم وهو تذييل فيه وعد ووعيد .