إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} (5)

{ بِنَصْرِ الله } وتغليبِه من له كتابٌ على من لا كتابَ له وغيظِ من شمِت بهم من كفَّار مكَّةَ وكونِ ذلك من دلائلِ غلبةِ المؤمنينَ على الكفَّار ، وقيل : نصرُ الله إظهارُ صدقِ المؤمنينَ فيما أخبرُوا به المشركينَ من غَلَبة الرُّومِ على فارسَ ، وقيل : نصرُه تعالى أنَّه ولَّى بعضَ الظَّالمين بعضاً وفرَّق بين كلمتِهم حتَّى تناقصُوا وتفانوا وفلَّ كلٌّ منهما شوكةَ الآخرِ وفي ذلك قوَّةٌ . وعن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه أنه وافقَ ذلك يومَ بدرٍ . وفيهِ من نصرِ الله العزيزِ للمؤمنينَ وفرحِهم بذلك ما لا يَخْفى ، والأولُ هو الأنسبُ لقولِه تعالى : { يَنصُرُ مَن يَشَاء } أنْ ينصرَهُ من عبادِه على عدوِّه ويُغلِّبه عليهِ فإنَّه استئنافٌ مقررٌ لمضمونِ قولِه تعالى : { لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } { وَهُوَ العزيز } المبالغُ في العزَّةِ والغَلَبةِ فلا يُعجزه مَن يشاءُ أنْ ينصرَ عليهِ كائناً مَن كان { الرحيم } المبالغ في الرَّحمةِ فينصرُ من يشاءُ أنْ ينصرَه أيَّ فريقٍ كان ، والمرادُ بالرَّحمةِ هي الدُّنيوية ، أمَّا على القراءةِ المشهُورة فظاهرٌ لما أنَّ كِلا الفريقينِ لا يستحقُّ الرَّحمةَ الأُخرويَّةَ . وأمَّا على القراءةِ الأخيرةِ فلأنَّ المُسلمينَ وإنْ كانُوا مستحقِّين لها لكنْ المرادُ هاهنا نصرُهم الذي هُو من آثارِ الرَّحمةِ الدُّنيويةِ ، وتقديمُ وصفِ العزَّةِ لتقدمِه في الاعتبارِ