{ فِي بِضْعِ سِنِينَ } رُوي أنَّ فارسَ غَزَوا الرُّومَ فوافَوهم بأَذْرِعَاتٍ وبُصرَى وقيل : بالجزيرةِ كما مرَّ فغلبوا عليهم ، وبلغ الخبرُ مكَّة ففرح المشركون وشمِتُوا بالمسلمينَ وقالُوا : أنتُم والنَّصارى أهلُ كتابٍ ونحن وفارسُ أميُّون وقد ظهر إخوانُنا على إخوانِكم فلنظهرنَّ عليكم ، فقال أبُو بكرٍ رضي الله عنه : لا يقْرِرِ الله أعينَكم فوالله ليظهرنَّ الرومُ على فارسَ بعد بضعِ سنين ، فقال له أُبيُّ بنُ خَلَف اللَّعينُ : كذبتَ اجعل بيننا أجلاً أنا حِبُك عليه فناحبَه{[639]} على عشرِ قلائصَ من كلَ منهُما وجعلا الأجلَ ثلاثَ سنينَ فأخبر به أبُو بكرٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ : ( البضعُ ما بين الثَّلاثِ إلى التِّسعِ فزيدُوه في الخطرِ ومادِّه في الأجلِ{[640]} ) فجعلاها مائةَ قلوصٍ إلى تسعِ سنينَ ومات أبيُّ من جرحِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وظهرتِ الرُّوم على فارسَ عند رأسِ سبعِ سنينَ وذلك يومَ الحديبيةِ ، وقيل : كانَ النَّصرُ للفريقينِ يومَ بدرٍ فأخذَ أبُو بكر الخَطَر من ذريَّةِ أبيّ فجاء به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ : ( تصدَّق به ) . وكانَ ذلك قبلَ تحريمِ القِمارِ . وهذه الآياتُ من البيِّناتِ الباهرةِ الشَّاهدةِ بصحَّةِ النُّبوةِ وكونِ القُرآنِ من عندِ الله عزَّ وجلَّ حيثُ أخبرتْ عن الغيبِ الذي لا يعلمُه إلا العليمُ الخبيرُ . وقرئ غَلَبت على البناءِ للفاعلِ وسيُغلبون على البناءِ للمفعولِ والمعنى أنَّ الرُّوم غلبتْ على ريفِ الشامِ وسيغلبُهم المسلمونَ وقد غَزَاهُم المسلمون في السَّنةِ التَّاسعةِ من نزولِها ففتحُوا بعضَ بلادِهم ، فإضافةُ الغَلَب حينئذٍ إلى الفاعلِ .
{ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } أي في أولِ الوقتينِ وفي آخرِهما حين غُلبوا وحين يغلِبون ، كأنَّه قيل : من قبلِ كونِهم غالبينَ وهو وقتُ كونِهم مغلوبينَ ومن بعدِ كونِهم مغلوبينَ وهو وقتُ كونِهم غالبينَ والمعنى أنَّ كلاًّ من كونِهم مغلوبينَ أولاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمرِ الله تعالى وقضائِه { وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس } [ سورة آل عمران ، الآية140 ] . وقرئ من قبلِ ومن بعدِ بالجرِّ من غيرِ تقديرِ مُضافٍ إليهِ واقتطاعِه كأنَّه قيل : قبلاً وبَعْداً ، بمعنى أولاً وآخِراً { وَيَوْمَئِذٍ } أي يومَ إذْ يغلبُ الرُّومُ على فارسَ ويحلُّ ما وعدَه الله تعالى من غلبتِهم { يَفْرَحُ المؤمنون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.