إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة سبأ مكية وقيل إلا { ويرى الذينَ أُوتُوا الْعِلْم } الآية وهي أربع وخمسون آية

{ الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض } أي له تعالى خَلقاً ومُلكاً وتصرُّفاً بالإيجادِ والإعدامِ والإحياءِ والإماتةِ جميعُ ما وُجد فيهما داخلاً في حقيقتِهما أو خارجاً عنهما مُتمكِّناً فيهما فكأنَّه قيل : له جميعُ المخلوقاتِ كما مرَّ في آية الكُرسيِّ ، ووصفُه تعالى بذلك لتقرير ما أفاده تعليقُ الحمدِ المُعرَّف بلام الحقيقة بالاسم الجليلِ من اختصاصِ جميعِ أفراده به تعالى على ما بُيِّنَ في فاتحة الكتاب ببيان تفرُّدِه تعالى واستقلاله بما يُوجب ذلك وكونِ كلِّ ما سواه من الموجودات التي من جُملتها الإنسان تحت ملكوتِه تعالى ليس لها في حدِّ ذاتها اسحقاقُ الوجود فضلاً عمَّا عداه من صفاتها بل كلُّ ذلك نعمٌ فائضة عليها من جهته عزَّ وجلَّ فما هذا شأنُه فهو بمعزلٍ من استحقاقِ الحمد الذي مداره الجميل الصَّادرُ عن القادر باختيار فظهر اختصاصُ جميعِ أرادِه به تعالى . وقولُه تعالى : { وَلَهُ الحمد فِي الآخرة } بيانٌ لاختصاص الحمد الأُخرويِّ به تعالى إثرَ بيانِ اختصاص الدُّنيويِّ به على أنَّ الجارَّ متعلِّق إمَّا بنفس الحمد أو بما تعلَّق به الخبرُ من الاستقرارِ ، وإطلاقُه عن ذكرِ ما يُشعر بالمحمودِ عليه ليس للاكتفاءِ بذكر كونه في الآخرةِ عن التعيين كما اكتفي فيما سبق بذكر كون المحمود عليه في الدُّنيا عن ذكر كونِ الحمد أيضاً فيها بل ليعمَّ النِّعمَ الأُخرويَّةَ كما في قوله تعالى : { الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة } [ سورة الزمر ، الآية74 ] وقوله تعالى : { الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ } [ سورة فاطر ، الآية35 ] الآيةَ ، وما يكون ذريعةً إلى نيلِها من النِّعمِ الدُّنيويَّةِ كما في قوله تعالى : { الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا } [ سورة الأعراف ، الآية43 ] أي لِما جزاؤه هذا من الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ ، والفرق بين الحمدينِ مع كون نعمتَيْ الدُّنيا والآخرةِ بطريق التَّفضلِ أنَّ الأوَّلَ على نهج العبادة والثَّانِي على وجه التَّلذذِ والاغتباطِ . وقد ورد في الخبرِ أنَّهم يُلهمون التَّسبيحَ كما يُلهمون النَّفسَ { وَهُوَ الحكيم } الذي أحكم أمورَ الدُّنيا ودبَّرها حسبما تقتضيه الحكمةُ { الخبير } ببواطن الأشياءِ ومكنوناتِها