إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

{ فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِي } قاله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عند غروب الشَّمسِ اعترافاً بما صدرَ عنه من الاشتغالِ بها عن الصَّلاةِ وندماً عليه وتمهيداً لما يعقبُه من الأمر بردِّها وعقرِها ، والتَّعقيب باعتبار أواخرِ العرض المستمرِّ دون ابتدائِه والتَّأكيدُ للدِّلالةِ على أنَّ اعترافَه وندمَهُ عن صميم القلبِ لا لتحقيقِ مضمونِ الخيرِ ، وأصلُ أحببتُ أنْ يعدَّى بعلى لأنَّه بمعنى آثرَ لكن لما أُنيب مُنابَ أنبتُ عُدِّي تعديتَه وحبَّ الخيرِ مفعولُه كأنَّه قيل : أنبتُ حبَّ الخيرِ عن ذكر ربِّي ووضعتُه موضعه ، والخبرُ المالُ الكثيرُ والمراد به الخيلُ التي شغلته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ويحتمل أنَّه سمَّاها خيراً لتعلُّق الخيرِ بها قال عليه الصَّلاة والسَّلام : ( الخيرُ معقودٌ بنواصِي الخيلِ إلى يومِ القيامةِ ) . وقرئ أنِّي { حتى تَوَارَتْ بالحجاب } متعلِّق بقوله أحببتُ باعتبار استمرار المحبَّةِ ودوامِها حسب استمرارِ العرضِ أي أنبتُ حبَّ الخيرِ عن ذكر ربِّي واستمرَّ ذلك حتَّى توارتْ أي غربتْ الشَّمسُ تشبيهاً لغروبِها في مغربِها بتوارى المخبأةِ بحجابها ، وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها وقيل : الضمير للصافنات أي توارتْ بحجابِ اللَّيلِ أي بظلامِه .