إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (76)

قولُه تعالى : { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ منْهُ } ادِّعاءٌ منه لشيءٍ مستلزم لمنعهِ من السُّجودِ على زعمِه وإشعارٌ بأنَّه لا يليقُ أنْ يسجدَ الفاضلُ للمفضولِ كما يُعرب عنه قولُه : { لَمْ أَكُن لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صلصال منْ حَمَإٍ مسْنُونٍ } [ سورة الحجر ، الآية33 ] وقولُه تعالَى { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } تعليلٌ لما ادَّعاهُ من فضلِه عليه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، ولقد أخطأ اللَّعينُ حيث خصَّ الفضلَ بما من جهةِ المادَّةِ والعنصرِ وزلَّ عنه ما من جهة الفاعل كما أنبأَ عنه وقولُه تعالى : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ سورة ص ، الآية75 ] وما من جهة الصُّورة كما نبه عليه قوله تعالى : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن روحِي } [ سورة الحجر ، الآية29 ] وما من جهة الغايةِ وهو مِلاكُ الأمرِ ، ولذلك أمرَ الملائكةَ بسجودِه عليهم السَّلامُ حين ظهرَ لهم أنَّه أعلمُ منهم بما يدورُ عليه من أمرِ الخلافةِ في الأرضِ وأنَّ له خواصَّ ليست لغيرِه .