فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (76)

جملة : { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } مستأنفة جواب سؤال مقدر ، ادعي اللعين لنفسه أنه خير من آدم ، أي ولو كنت مساويا له في الشرف لكان يقبح أن أسجد له ، فكيف وأنا خير منه ، وفي ضمن كلامه هذا أن سجود الفاضل للمفضول لا يحسن ، ثم علل ما ادعاه من كونه خيرا منه بقوله :

{ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } وفي زعمه أن عنصر النار أشرف من عنصر الطين وأفضل منه ، لأن الأجرام الفلكية أشرف من الأجرام العنصرية ، والنار أقرب العناصر من الفلك ، والأرض أبعدها منه ، وأيضا النار لطيفة نورانية والأرض كثيفة ظلمانية ، وهما خير منهما ، وذهب عنه أن النار إنما هي بمنزلة الخادم لعنصر الطين إن احتيج إليها استدعيت كما يستدعى الخادم ، وإن استغني عنها طردت ، وأيضا فالطين يستولي على النار فيطفيها وأيضا فهي لا توجد إلا بما أصله من عنصر الأرض وأن مآل النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به ، والطين أصل كل ما هو نام نابت كالإنسان والشجرة .

ومعلوم أن الإنسان والشجرة المثمرة خير من الرماد وأفضل ، وعلى كل حال فقد شرف آدم بشرف وكرم بكرامة لا يوازيها شيء من شرف العناصر ، وذلك أن الله تعالى خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه ، وأمر بالسجود له والجواهر في أنفسها متجانسة ، وإنما تشرف بعارض من عوارضها .