إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ} (5)

{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر } أي ننحّيهِ ونُبعدُه عنكم . مجازٌ من قولِهم : ضربُ الغرائبِ عن الحوضِ ، وفيه إشعارٌ باقتضاءِ الحكمةِ توجُّهَ الذكر إليهم وملازمتَه لهم كأنَّه يتهافتُ عليهم . والفاءُ للعطفه على محذوفٍ يقتضيِه المقامُ أي أنهملكُم فننحِّى الذكرَ عنكُم { صَفْحاً } أي إعراضاً عنكم على أنه مفعولٌ له للمذكورِ أو مصدرٌ مؤكدٌ لما دَلَّ هو عليهِ فإن التنحيةَ منبئةُ عن الصفحِ والإعراضِ قطعاً كأنَّه قيلَ : أفنصفحُ عنكُم صفحاً أو بمَعْنى الجانبِ فينتصبُ على الظرفيةِ أي أفننحيهِ عنكُم جانباً { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } أي لأنْ كنتُم منهمكينَ في الإسرافِ مصرِّينَ عليهِ عَلى مَعْنى إنَّ حالَكُم وإنِ اقتَضَى تخليتَكُم وشأنَكُم حتَّى تموتُوا على الكفرِ والضلالةِ وتبقوا في العذابِ الخالدِ لكنا لسعةِ رحمتِنا لا نفعلُ ذلكَ بلْ نهديكُم إلى الحقِّ بإرسالِ الرسولِ الأمينِ وإنزالِ الكتابِ المبينِ .

وقُرِئ بالكسرِ على أنَّ الجملةَ شرطيةٌ مخرِجةٌ للمحققِ مُخرجَ المشكوكِ لاستجهالِهم ، والجزاءُ محذوفٌ ثقةً بدلالةِ ما قبلَهُ عليه .