إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (161)

{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبّي } أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبين لهم ما هو عليه من الدين الحق الذي يدعون أنهم عليه وقد فارقوه بالكلية ؛ وتصدير الجملة بحرف التحقيق لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لمزيد تشريفه ، أي قل لأولئك المفرقين : أرشدني ربي بالوحي وبما نصب في الآفاق والأنفسِ من الآيات التكوينية { إلى صراط مُسْتَقِيمٍ } موصلٍ إلى الحق وقوله تعالى : { دِينًا } بدلٌ من إلى صراط فإن محله النصبُ كما في قوله تعالى : { وَيَهْدِيَكَ صراطا مُسْتَقِيماً } [ الفتح ، الآية 2 ] أو مفعولٌ لفعل مضمرٍ يدل عليه المذكورُ { قِيَماً } مصدرٌ نُعت به مبالغةً والقياسُ قِوَماً كعِوَض فاعل لإعلال فعلِه كالقيام وقرئ قيّماً وهو فيْعلٌ من قام كسيّد من ساد وهو أبلغُ من المستقيم باعتبار الزنة وإن كان هو أبلغَ منه باعتبار الصيغة { مِلَّة إبراهيم } عطفُ بيانٍ لديناً { حَنِيفاً } حالٌ من إبراهيمَ أي مائلاً عن الأديان الباطلةِ ، وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ مِنَ المشركين } اعتراضٌ مقرِّرٌ لنزاهته عليه السلام عما عليه المفرِّقون لدينه من عقْد وعَمَل أي ما كان منهم في أمر من أمور دينِهم أصلاً وفرعاً ، صرّح بذلك رداً على الذين يدّعون أنهم على ملته عليه السلام من أهل مكةَ واليهودِ المشركين بقولهم : عزيرٌ ابنُ الله والنصارى المشركين بقولهم : المسيحُ ابنُ الله .