البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (161)

{ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم } أمره تعالى بالإعلان بالشريعة ونبذ ما سواها ووصفها بأنها طريق مستقيم لا عوج فيها وهو إشارة إلى قوله : { وان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه } ولما تقدم ذكر الفرق أمره أن يخبر أنه ليس من تلك الفرق بل هو على الصراط المستقيم وأسند الهداية إلى ربه ليدل على اختصاصه بعبادته إياه كأنه قيل : هداني معبودي لا معبودكم من الأصنام ومعنى { هداني } خلق فيّ الهداية .

وقال بعض المعتزلة : دلني .

قال الماتريدي : وهذا باطل إذ لا فائدة في تخصيصه لأن الناس كلهم كذلك .

{ ديناً قيماً } بالحق والبرهان .

{ ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } أذكرهم أن هذا الدين الذي هو عليه هو ملة إبراهيم وهو النبيّ الذي يعظمه أهل الشرائع والديانات وتزعم كفار قريش أنهم على دينه ، فرد تعالى عليهم بقوله : { وما كان من المشركين } وانتصب { ديناً } على إضمار عرفني لدلالة هداني عليه أو بإضمار هداني أو بإضمار اتبعوا وألزموا ، أو على أنه مصدر لهداني على المعنى كأنه قال : اهتداء أو على البدل من إلى صراط على الموضع لأنه يقال : هديت القوم الطريق .

قال الله تعالى : { ويهديك صراطاً مستقيماً } وقرأ الكوفيون وابن عامر قيماً وتقدم توجيهه في أوائل سورة النساء .

وقرأ باقي السبعة قيماً كسيد وملة بدل من قوله : { ديناً } و { حنيفاً } تقدم إعرابه في قوله : { بل ملة إبراهيم حنيفاً } في سورة البقرة .

وقال ابن عطية : و { حنيفاً } نصب على الحال من إبراهيم .