تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (161)

الآية 161 وقوله تعالى : { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم } قال أبو بكر الكيساني : قوله تعالى : { هداني } أي دلني { ربي إلى صراط مستقيم } لكن هذا بعيد ؛ لأنه خرج مخرج ذكر ما من عليه بلطفه ، وليس في الدلالة والبيان ذلك ، إنما عليه البيان . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على الهدى ، ويبين لهم طريقه .

ثم أخبر أنه لا يدل من أحب بقوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } [ القصص : 56 ] دل أن ذلك إكرام من الله تعالى بالهداية والتوفيق له والعصمة بلطفه لا بالدلالة والبيان . وكذلك قوله تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } الآية [ الحجرات : 17 ] فلو كان على الدلالة والبيان لكان منه ذلك . ثم إن المنة عليهم لله تعالى لا لرسوله . دل انه لما ذكرنا من الهداية نفسها لا الدلالة .

وقوله تعالى : { دينا قيما } قيل : قائما مستقيما ، لا عوج فيه كقوله تعالى : { ولم يجعل له عوجا } { قيما } [ الكهف : 1 و2 ] والعوج هو الذي فيه الآفة . فأخبر أن لا آفة فيه ، ولا عوج .

وقوله تعالى : { ملة إبراهيم } إن أهل الإيمان جميعا يدعون أن [ الدين ]{[8009]} الذي هم عليه ، هو دين إبراهيم ، فأخبر أن دين إبراهيم هو الذي ، عليه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ]{[8010]} لا هم .

وقوله تعالى : { حنيفا } قيل : مسلما . والحنف هو الميل ، وهو الحنيف أي مائل إلى دين الله . أخبر أنه يدعو إلى دين الله تعالى وإلى الدين الذي كان عليه آباؤهم وأجداده ؛ أعني به [ دين ]{[8011]} الأنبياء والرسل عليهم السلام { وما كان من المشركين } برأه عز وجل من الشرك . وقيل : كان حنيفا خالصا لله مخلصا ؛ لم يشرك أحدا في ربوبيته ولا في عبادته ، على فعل أولئك الكفرة .

وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه وحفصة { قيما } فطرتكم التي فطرتم عليها { ملة إبراهيم حنيفا } ويقرأ قيما بالتشديد ، وقيما بالتخفيف{[8012]} .

ويخرج قوله تعالى : { إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم } على الشكر له والحمد على ما أنعم عليه ، وأفضل له من الإكرام له بالهداية [ إلى الطريق ]{[8013]} المستقيم ، ويحتمل{[8014]} القائم بالحق والبرهان . وكذلك قوله تعالى : { دينا قيما } بالحجج والبراهين ، ودين أولئك بهوى أنفسهم . ولذلك قال : { حنيفا } وقال{[8015]} : { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم } .


[8009]:- ساقطة من الأصل وم.
[8010]:- من م، ساقطة من الأصل.
[8011]:- ساقطة من الأصل وم.
[8012]:- انظر معجم القراءات القرآنية [2/339].
[8013]:-في الأصل وم: بالطريق.
[8014]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[8015]:- في الأصل وم: وقوله.