اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (161)

لما عَلِم رسُول الله صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم وبجّل ومجّد وعظم دلائِلَ التَّوْحِيد ، والردِّ على القَائِلِين بالشُّرَكَاء والأضْداد ، وبالغ في تَقْرير إثْبَات القَضَاءِ والقدر ، ورد على أهل الجاهليَّة في أبَاطِيلهم أمَرَهُ - عليه الصلاة والسلام - أن يَخْتِم الكلام بقوله : " قُلْ إنِّنِي هَدَاني ربِّي إلى صراطٍ مُسْتَقيمٍ " ، وذلك يَدُلُّ على أنَّ الهِدَايةَ لا تَحْصُل إلاَّ باللَّه - تبارك وتعالى سبحانه - .

وقال القُرطُبِيُّ{[15669]}- رحمه الله تعالى - : " لمّا بيَّن أنَّ الكُفَّار تفرَّقُوا ، بيَّن أنَّه – تعالى - هَدَاهُ إلى الصِّراط المُسْتَقيم ، وهو مِلَّة إبراهيم - عليه الصلاة وأتم التسليم - " .

قوله : " دِنياً " : نَصْبُه من أوْجُه :

أحدها : من نصب على الحال ، قال قُطْرُب وقيل : إنَّه مصدر على المَعْنَى ، أي : هَدَانِي هدايةَ دينٍ قيِّم ، أو على إضْمَار : " عَرَّفَنِي ديناً " أو الْزَمُوا دِيناً .

وقال أبُو البقاء{[15670]} - رحمة الله عليه - : إنه مفعُول ثانٍ ل " هَدَاني " وهو غَلَطٌ ؛ لأنَّ المَفْعُول الثَّاني هُنَا هو المَجْرُور ب " إلى " فاكتُفِي بِهِ .

وقال مكِّي{[15671]} - رحمه الله تعالى عليه - : " إنَّهُ منصُوبٌ على البدل من محلِّ إلى صِراطٍ مُسْتقيمٍ " .

وقيل : ب " هَدَانِي " مقدّرة لدلالة " هَدَانِي " الأوَّل عليها وهو كالذي قَبْلَه في المعنى .

قوله : " قِيماً " قرأ الكُوفيُّون{[15672]} ، وابن عامِر : بكسر القافِ وفتح الياء خفيفة ، والباقون بفَتْحِها ، وكَسْر اليَاء مشدَّدة ، ومعناه : القَوِيم المُسْتَقِيم ، وتقدَّم تَوْجِيه إحْدى القراءتَيْن في النِّسَاءِ والمَائِدة .

قال الزَّمَخْشَري{[15673]} - رحمه الله عليه - : القيم : " فَيْعِل " من " قام " كسيِّد من سَادَ ، وهو أبْلغُ من القَائِم .

وأمَّا قِرَاءة أهْلِ الكُوفَة فقال الزَّجَّاج{[15674]} - رحمه الله عليه - : هو مَصدر بمعنى : القيَام ، كالصِّغَر والكِبر والجُوع والشبع ، والتَّأويل : ديناً ذا قَيِم ، ووصف الدِّين بهذا المَصْدر مُبالغة .

قوله تعالى : " مِلَّة " بدلاً من " ديناً " أو مَنْصُوبٌ بإضْمار أعني ، و " حنيفاً " قد ذكر في البقرة{[15675]} والنساء{[15676]} .

والمعنى : هداني وعرَّفَنِي ملَّة إبراهيم حال كَوْنِها موصُوفة بالحنيفيَّة . ثم وصف إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- بقوله : " وما كان من المُشْركين " والمقْصُود منه : الردُّ على المُشْرِكين .


[15669]:ينظر: القرطبي 7/98.
[15670]:ينظر: الإملاء 1/267.
[15671]:ينظر: المشكل 1/301.
[15672]:ينظر: السبعة 274 الحجة لابن خالويه 152 ولأبي زرعة 278 النشر 2/266.
[15673]:ينظر: الكشاف 2/83.
[15674]:ينظر: الفخر الرازي 14/10.
[15675]:الآية: 135.
[15676]:الآية: 125.