نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (161)

ولما تضمن ما مضى تصحيح التوحيد بالأدلة القاطعة وتحقيق أمر القضاء والقدرة وإبطال جميع أديان الضلال ووصفها بتفرق أهلها الدال على بطلانها واعوجاجها ، وختم بهذا التحذير الذي لا شيء أقوم منه ولا أعدل ، أمره صلى الله عليه وسلم بالإعلان بأمره وأن يصف دينه الذي شرعه له{[31795]} وهداه إليه بما فيه من المحاسن تحبيباً فيه وحثاً عليه ولأن ذلك من نتيجة هذه السورة فقال : { قل } وأكد بالإتيان بالنونين فقال : { إنني هداني } أي بياناً وتوفيقاً { ربي } أي المحسن إليّ بكل خير لا سيما هذا الذي أوحاه إليّ وأنزله عليّ { إلى صراط مستقيم{[31796]} * } أي طريق واسع بين ، ثم مدحه بقوله : { ديناً قيماً } أي بالغ الاعتدال والاستقامة ثابتها ، هذا على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو بفتح القاف وتشديد الياء المكسورة{[31797]} ، وهو{[31798]} في قراءة الباقين بكسر القاف وفتح الياء الخفيفة مصدر بمعنى القيام وصف به للمبالغة ، وزاده مدحاً بقوله مذكراً لهم - لتقليدهم الآباء - بأنه دين أبيهم الأعظم : { ملة إبراهيم } والملة ما أظهره نور العقل من الهدى في ظُلَم ما التزمه الناس من عوائد أمر الدنيا - أفاده الحرالي . ولذلك قال : { حنيفاً } أي ليناً هيناً سهلاً قابلاً للاستقامة لكونه{[31799]} ميالاً مع الدليل غير جاف ولا كز واقف مع التقليد عمى عن نور الدليل - كما تقدم ذلك في البقرة ، وهو معنى قوله : { وما } أي والحال أنه ما{[31800]} { كان من المشركين * } أي الجامدين مع أوهامهم في ادعاء شريك لله مع رؤيتهم له في كونه لا يضر ولا ينفع ولا يصلح لشركة آدمي فضلاً عن غيره بوجه ، لا ينقادون لدليل ولا يصغون إلى قيل ، فكان{[31801]} هذا مدحاً لهذا الدين الذي هدى إليه صلى الله عليه وسلم وبياناً لأنه الذي اختاره سبحانه لخليله إبراهيم عليه السلام رجوعاً إلى{[31802]} وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر }[ الأنعام : 74 ] الذي بنيت السورة في الحقيقة عليه ، وألقيت أزمة أطرافها إليه ، وترغيباً في هذا الدين لأن جميع المخالفين يتشبثون بأذيال إبراهيم عليه السلام : العرب وأهل الكتابين بنسبة الأبوة ، والمجوس بنسبة البلد والأخوة ، وأشار بذلك إلى أن محمداً صلى الله عليه وسلم فهم{[31803]} ما حاج به أبوه إبراهيم عليه السلام قومه وقبله{[31804]} ، فلم ينسب كغيره إلى جمود ولا عناد .


[31795]:في ظ: لامته.
[31796]:تأخر في الأصل عن "واسع بين" والترتيب من ظ.
[31797]:من ظ، وفي الأصل: مكسورة.
[31798]:سقط من ظ.
[31799]:من ظ، وفي الأصل: بكونه.
[31800]:سقط من ظ.
[31801]:من ظ، وفي الأصل: وكان.
[31802]:سقط من ظ.
[31803]:سقط من ظ.
[31804]:من ظ، وفي الأصل: قلبه.