إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۖ وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُواْۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (152)

{ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليتيم } توجيهُ النهي إلى قُربانه من المبالغة في النهي عن أكله ولإخراج القُربان النافعِ عن حكم النهي بطرق الاستثناءِ ، أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه { إِلاَّ بالتي هِي أَحْسَنُ } إلا بالخَصلة التي هي أحسنُ ما يكون من الحِفظ والتثميرِ ونحو ذلك ، والخطابُ للأولياء والأوصياء لقوله تعالى : { حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } فإنه غايةٌ لما يُفهم من الاستثناء لا للنهي كأنه قيل : احفظوه حتى يصيرَ بالغاً رشيداً فحينئذ سلّموه إليه كما في قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رُشدا فادفعوا إليهم أموالهم } [ النساء ، الآية 6 ] والأشُدُّ جمع شِدّة كنعمة وأنعم أو شَدّ ككلب وأكلُب أو شد كصر وآصر وقيل : هو مفرد كآنُك{[250]} { وَأَوْفُوا الكيل والميزان بالقسط } أي بالعدل والتسوية { لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } إلا ما يسعُها ولا يعسُر عليها ، وهو اعتراضٌ جيء به عَقيبَ الأمرِ بالأمر للإيذان بأن مراعاةَ العدلِ كما هو عسيرٌ كأنه قيل : عليكم بما في وسعكم وما وراءه معفوٌّ عنكم { وَإِذَا قُلْتُمْ } قولاً في حكومة أو شهادة أو نحوِهما { فاعدلوا } فيه { وَلَوْ كَانَ } أي المقولُ له أو عليه { ذَا قربى } أي ذا قرابةٍ منكم ولا تميلوا نحوهم أصلاٌ وقد مر تحقيق معنى لو في مثل هذا الموضعِ مراراً { وَبِعَهْدِ الله أَوْفُوا } أي ما عَهد إليكم من الأمور المعدودةِ ، أو أيِّ عهدٍ كان فيدخُل فيه ما ذُكر دخولاً أولياً أو ما عاهدتم الله عليه من الإيمان والنذور ، وتقديمُه للاعتناء بشأنه { ذلكم } إشارةٌ إلى ما فُصِّل من التكاليف ، ومعنى البُعد لما ذكر فيما قبل { وصاكم بِهِ } أمركم به أمراً مؤكداً { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } تتذكرون ما في تضاعيفه وتعملون بمقتضاه ، وقرئ بتشديد الذالِ وهذه أحكامٌ عشَرةٌ لا تختلف باختلاف الأممِ والأعصارِ . عن ابن عباس رضي الله عنهما ( هذه آياتٌ محكماتٌ لم ينسَخْهن شيء من جميع الكتُب وهن محرماتٌ على بني آدم كلِّهم وهن أمُّ الكتابِ ، من عمِل بهن دخلَ الجنة ومن تركهن دخلَ النار ) . وعن كعب الأحبارِ والذي نفسُ كعبٍ بيده إن هذه الآياتِ لأولُ شيءٍ في التوراة بسم الله الرحمان الرحيم قل : تعالَوا الآيات . . .


[250]:الآنك: الرصاص الأسود، أو القصدير.