إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَـٰٓئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (131)

وقوله تعالى : { فَإِذَا جَاءتْهُمُ الحسنة } الخ ، بيانٌ لعدم تذكّرِهم وتماديهم في الغي أي فإذا جاءتهم السعةُ والخِصْبُ وغيرُهما من الخيرات { قَالُواْ لَنَا هذه } أي لأجلنا واستحقاقِنا لها { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي جدْبٌ وبلاء { يَطيَّرُواْ بموسى وَمَن معَهُ } أي يتشاءموا بهم ويقولوا : ما أصابتنا إلا بشؤمهم وهذا كما ترى شاهدٌ بكمال قساوةِ قلوبِهم ونهايةِ جهلِهم وغباوتِهم فإن الشدائدَ ترقّقُ القلوبَ وتُلين العرائِكَ لاسيما بعد مشاهدةِ الآياتِ وقد كانوا بحيث لم يؤثر فيهم شيءٌ منها بل ازدادوا عتوّاً وعِناداً ، وتعريفُ الحسنةِ وذِكرُها بأداة التحقيقِ للإيذان بكثرة وقوعِها وتعلقِ الإرادةِ بها بالذات كما أن تنكيرَ السيئةِ وإيرادها بحرف الشكِّ للإشعار بنُدرة وقوعِها وعدم تعلّقِ الإرادةِ بها إلا بالعَرَض وقوله تعالى : { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله } استئنافٌ مَسوقٌ من قِبَله تعالى لرد مقالتِهم الباطلةِ وتحقيقِ الحقِّ في ذلك ، وتصديرُه بكلمة التنبيهِ لإبراز كمالِ العنايةِ بمضمونه ، أي ليس سببُ خيرِهم إلا عنده تعالى وهو حكمُه ومشيئتُه المتضمنةُ للحِكَم والمصالحِ ، أو ليس شؤمِهم وهو أعمالُهم السيئةُ إلا عنده تعالى أي مكتوبةٌ لديه فإنها التي ساقت إليهم ما يسوؤهم لا ما عداها ، وقرىء إنما طَيرُهم وهو اسمٌ جمعُ طائرٍ وقيل : جمعٌ له { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك فيقولون ما يقولون مما حُكي عنهم ، وإسنادُ عدمِ العلمِ إلى أكثرهم للإشعار بأن بعضَهم يعلمون أن ما أصابهم من الخير والشرِّ من جهة الله تعالى أو يعلمون أن ما أصابهم من المصائب والبلايا ليس إلا بما كسبتْ أيديهم ولكن لا يعلمون بمقتضاه عِناداً واستكباراً .