إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ فَٱهۡبِطۡ مِنۡهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخۡرُجۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ} (13)

{ قَالَ } استئنافٌ كما سلف ، والفاء في قوله تعالى : { فاهبط مِنْهَا } لترتيب الأمرِ على ما ظهر من اللعين من مخالفة الأمرِ وتعليلِه بالأباطيل وإصرارِه على ذلك ، أي فاهبِطْ من الجنة ، والإضمار قبل ذكرِها لشهرة كونِه من سكانها قال ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا في عدْنٍ لا في جنة الخلد ، وقيل : من زمرة الملائكةِ المعزّزين فإن الخروجَ من زمرتهم هبوطٌ وأيُّ هبوط ، وفي سورة الحجر : { فاخرج مِنْهَا } وأما ما قيل من أن المرادَ الهبوطُ من السماء فيردّه أن وسوستَه لآدمَ عليه السلام كانت بعد هذا الطردِ فلابد أن يُحمل على أحد الوجهين قطعاً ، وتكونُ وسوستُه على الوجه الأول بطريق النداءِ من باب الجنة كما رُوي عن الحسن البصري ، وقوله تعالى : { فَمَا يَكُونُ لَكَ } أي فما لا يصح ولا يستقيم لك ولا يليقُ بشأنك { أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } أي في الجنة أو في زمرة الملائكة ، تعليلٌ للأمر بالهبوط فإن عدمَ صحةِ أن يتكبر فيها علةٌ للأمر المذكور ، فإنها مكانُ المطيعين الخاشعين ولا دِلالة فيه على جواز التكبُّر في غيرها ، وفيه تنبيه على أن التكبرَ لا يليق بأهل الجنةِ وأنه تعالى إنما طرده لتكبُّره لا لمجرد عصيانِه وقوله تعالى : { فاخرج } تأكيدٌ للأمر بالهبوط متفرِّغٌ على علته وقوله تعالى : { إِنَّكَ مِنَ الصاغرين } تعليلٌ للأمر بالخروج مُشعرٌ بأنه لتكبره ، أي من الأذلاء وأهلِ الهوانِ على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبُّرك . وعن عمر رضي الله عنه ( من تواضَع لله رفع الله حكمتَه وقال : انتعش أنعشك الله ، ومن تكبر وعَدا طَوْرَه وهَصَه{[256]} الله إلى الأرض ) .


[256]:وَهَص الشيء: رماه رميا عنيفًا.