إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (22)

{ فدلاّهما } فنزّلهما على الأكل من الشجرة ، وفيه تنبيهٌ على أنه أهبطهما بذلك من درجة عاليةٍ فإن التدليةَ والإدلاء إرسالُ الشيء من الأعلى إلى الأسفل { بِغُرُورٍ } بما غرّهما به من القسم ، فإنهما ظنا أن أحداً لا يُقسِم بالله كاذباً أو ملتبسين الغرور { فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا } أي فلما وجدا طعمَها آخِذَين في الأكل منها أخذْتهما العقوبةُ وشؤمُ المعصية فتهافت عنهما لباسُهما وظهرت لهما عوراتُهما ، واختلف في أن الشجرة كانت السنبلةَ أو الكرْمَ أو غيرَهما وأن اللباسَ كان نوراً{[260]} أو ظفراً { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } طفِق من أفعال الشروعِ والتلبس كأخذ وجعل وأنشأ وعلِق وهَبْ وانبرى أي أخذا يَرْقعَان ويُلزِقان ورقةً فوق ورقة { عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة } قيل : كان ذلك ورقَ التينِ وقرئ يُخصِفان من أخصف أي يخصفان أنفسَهما ويُخَصِّفان من التخصيف ويخصفان أصله يختصفان . { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا } مالكُ أمرِهما بطريق العتاب والتوبيخِ { أَلَمْ أَنْهَكُمَا } وهو تفسيرٌ للنداء فلا محل له من الإعراب أو معمولٌ لقول محذوفٍ أي وقال أو قائلاً : ألم أنهَكُما ؟ { عَن تِلْكُمَا الشجرة } ما في اسم الإشارةِ من معنى البُعد لما أنه إشارةٌ إلى الشجرة التي نُهي عن قُربانها { وَأَقُل لَكُمَا } عطفٌ على أنهَكما أي ألم أقل لكما : { إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ } وهذا عتابٌ وتوبيخٌ على الاغترار بقول العدوِّ كما أن الأولَ عتابٌ على مخالفة النهي ، قيل : فيه دليلٌ على أن مطلقَ النهي للتحريم ، ولكما متعلقٌ بعدو لما فيه من معنى الفعل أو بمحذوف هو حالٌ من عدوٌّ ، ولم يُحك هذا القولُ هاهنا ، وقد حُكي في سورة طه بقوله تعالى : { إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ } [ طه ، الآية 117 ] . روي أنه تعالى قال لآدمَ : ألم يكنْ فيما منحتُك من شجر الجنة مندوحةٌ عن هذه الشجرة ؟ فقال : بلى ، وعزتك ولكن ما ظننتُ أن أحداً من خلقك يحلِفُ بك كاذباً ، قال : فبعزتي لأُهبِطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيشَ إلا كدّاً فأُهبط وعُلّم صنعةَ الحديد وأُمر بالحَرْثِ فحرَثَ وسقَى وحصَد وداس وذرَى وعجَن وخَبَز .


[260]:النَّوْر: الزهر.