إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (2)

{ وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد } إمَّا لتشريفهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بجعلِ حلولِه بهِ مناطاً لإعظامِه بالإقسامِ بهِ أو التنبيهِ منْ أولِ الأمرِ عَلى تحققِ مضمونِ الجوابِ بذكرِ بعضِ موادِّ المكابدةِ على نهجِ براعةِ الاستهلالِ وبيانِ أنَّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ معَ جلالةِ قدرةِ وعظمِ حُرمتِه قد استحلُّوه في هَذا البلدِ الحرامِ وتعرضُوا لَهُ بما لاَ خيرَ فيهِ وهمُّوا بما لَمْ ينالُوا عن شُرَحْبيلَ يحرمونَ أن يقتلُوا بَها صيداً ويعضدُوا بَها شجرةً ويستحلُّونَ إخراجَكَ وقتلكَ أو لتسليتِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالوعدِ بفتحِه عَلى مَعْنى وأنتَ حلٌّ بهِ في المستقبلِ كَما في قولِه تعالَى : { إِنَّكَ مَيتٌ وَإِنَّهُمْ ميّتُونَ } [ سورة الزمر ، الآية 30 ] تصنعُ فيهِ ما تريدُ من القتلِ والأسرِ وقد كانَ كذلكَ حيثُ أحلَّ له عليهِ الصلاةُ والسلامُ مكةَ وفتحَها عليهِ وما فتحتْ عَلى أحدٍ قَبْله ولاَ أحلتْ لهُ فأحلَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فيهَا ما شاءَ وحرَّم ما شاءَ قتلَ ابْنَ خطلٍ وهو متعلقٌ بأستارِ الكعبةِ ومقيسَ بْنَ ضبابةَ وغيرَهُما وحرَّمَ دارَ أبي سفيانَ ثمَّ قالَ : «إنَّ الله حرَّمَ مكةَ يومَ خلقَ السماوات والأرضَ فهَي حرامٌ إلى أنْ تقومَ الساعةُ لم تحلَّ لأحدٍ قَبْلي ولنْ تحلَّ لأحدٍ بعدي ولم تحلَّ لي إلا ساعةً من نهارٍ فَلا يُعضدُ شجرُهَا ولا يُختلى خَلاها ولا ينفرُ صيدُهَا ولا تحلُّ لُقطتُها إلا لمنشدٍ » فقالَ العباسُ يا رسولَ الله إلا الإِذْخِرَ فإنَّه لقيونِنا وقبورِنا وبيوتِنا فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ «إلاَّ الإذخرَ »{[847]}


[847]:أخرجه البخاري في كتاب العلم باب (37)، وفي كتاب الجنائز باب (76) وفي كتاب الحج باب (43) وفي كتاب الصيد باب (8، 10) وفي كتاب البيوع باب (28) وفي كتاب الجزية باب (22) وفي كتاب المغازي باب (51، 53)؛ كما أخرجه الترمذي في كتاب الحج باب (1)، وكتاب الديات باب (13)؛ وابن ماجه في كتاب المناسك باب (103)؛ وأحمد في المسند (1/ 253، 259، 316)؛ والإذخر: حشيش طيب الريح. وهو يشبه في نباته الغرز، يطحن فيدخل في الطيب. والقيون: جمع قين وهو الحداد.