الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٞ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةٞ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَجۡمَۢا بِٱلۡغَيۡبِۖ وَيَقُولُونَ سَبۡعَةٞ وَثَامِنُهُمۡ كَلۡبُهُمۡۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا قَلِيلٞۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمۡ إِلَّا مِرَآءٗ ظَٰهِرٗا وَلَا تَسۡتَفۡتِ فِيهِم مِّنۡهُمۡ أَحَدٗا} (22)

{ سيقولون ثلاثة } وذلك أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم . وكان السيد يعقوبياً ، وقال العاقب : كانوا خمسة سادسهم كلبهم . وكان نسطوريّاً ، وقال المسلمون : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ، فحقق الله قول المسلمين وصدّقهم بعد ما حكى قول النصارى ، فقال { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ } أي قذفاً بالظنّ من غير يقين ، كقول الشاعر :

وأجعلُ منّي الحقّ غيباً مرجّما

{ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } وقال بعضهم : هذه الواو واو الثمانية ، إن العرب يقولون : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، لأن العِقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة . ونظيره قوله تعالى :

{ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ } [ التوبة : 112 ] .

وقوله في صفة أهل الجنّة

{ حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] .

وقوله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

{ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] .

وقال بعضهم : هذه واو الحكم والتحقيق ، فكأنه حكى اختلافهم فتمّ الكلام عند قوله : { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ } ، ثمّ حكم أن ثامنهم كلبهم ، والثامن لا يكون إلاّ بعد السّبع ، فهذا تحقيق قول المسلمين .

{ رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } ، قال قتادة : قليل من الناس . وقال عطاء : يعني بالقليل : أهل الكتاب . يحيى بن أبي روق عن أبيه عن الضحّاك عن ابن عباس في قوله تعالى . { مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } قال : أنا من أُولئك القليل .

وهم : مكسلمينا ، وتمليخا ، ومرطونس ، وسارينوس ، وآنوانس ، وروانوانس ، ومشططيونس ، وهو الرّاعي ، والكلب واسمه قطمير كلب أنمر فوق القلطي ودون الكردي .

وقال محمد بن المسيب : القلطي : كلب صيني ، و قال : ما بقي بنيسابور محّدث إلاّ كتب عنّي هذا الحديث إلاّ من لم يقدر له . قال : وكتبه أبو عمرو ، والحيري عني . { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ } ، أي في عدّتهم وشأنهم { إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } وهو ما قصّ عليه في كتابه من خبرهم يقول : حسبك ما قصّصت عليك فلا تمارِ فيهم ، { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَدا } من أهل الكتاب .