جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٞ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةٞ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَجۡمَۢا بِٱلۡغَيۡبِۖ وَيَقُولُونَ سَبۡعَةٞ وَثَامِنُهُمۡ كَلۡبُهُمۡۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا قَلِيلٞۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمۡ إِلَّا مِرَآءٗ ظَٰهِرٗا وَلَا تَسۡتَفۡتِ فِيهِم مِّنۡهُمۡ أَحَدٗا} (22)

{ سيقولون } : القائلون أهل الكتاب والمؤمنون في عهد نبينا عليه الصلاة والسلام { ثَلاثَةٌ } أي : هم ثلاثة رجال { رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ } أي : يرمون رميا بلا علم كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه ، فإنه لا يكاد يصيب ، وإن أصاب فبلا قصد والقائل بهما أهل الكتاب { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ } والقائل هم المؤمنون { وَثَامِنُهُم{[2950]} كَلْبُهُمْ } وفائدة هذا الواو بين الصفة والموصوف تأكيد لصوقها به والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر ، وهي التي آذنت بأن هذا القول منهم لا عن رجم بالغيب ، بل عن دليل وعلم { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ } من الناس وقد صح{[2951]} عن ابن عباس أنه قال : أنا من ذلك القيل كانوا سبعة{[2952]} { فَلَا تُمَارِ{[2953]} } : لا تجادل { فِيهِمْ } : في شأن الفتية { إِلا مِرَاء ظَاهِرًا } : سهلا هينا ، فإن معرفته لا يترتب عليه كثير فائدة ، فلا تجهلهم ولا ترد عليهم { وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا } : لا تسأل عن قصتهم أحدا منهم ، فإنهم لا يقولون إلا ظنا بالغيب .


[2950]:روي أن السيد و العاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقال السيد وكان يعقوبيا: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال العاقب وكان نسطوريا: كانوا خمسة سادسهم كلبهم، وقال المسلمون: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم، فحقق الله قول المسلمين بعدما حكى قول النصارى فقال: "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم" /12 معالم.
[2951]:نقله ابن جرير عن عكرمة عن ابن عباس و كذا روى ابن جريج عن عطاء الخرساني عنه /12 منه.
[2952]:الدر المنثور للسيوطي (4/393) وعزاه إلى الطبراني في الأوسط وصحح سنده.
[2953]:قال ابن عباس: يقول حسبك ما قصصت عليك ثم استثنى سبحانه من المراء ما كان ظاهرا وضحا فقال إلا مراء ظاهرا أي: غير متعمق فيه وهو أن يقص عليهم ما أوحى الله إليه، فحسب من غير تجهيل لهم ومن غير رد عليهم، وقال الرازي: هو أن لا يكذبهم في تعيين ذلك العدد، بل يقول: هذا التعيين لا دليل عليه، فوجب التوقف ثم نهاه سبحانه عن الاستفتاء في شأنهم، فقال: "ولا تستفت فيهم منهم أحدا"؛ لأن المفتي يجب أن يكون أعلم من المستفتي، وها هنا الأمر بالعكس ولا سيما في واقعة أهل الكهف، وفيما قص الله عليك في ذلك ما يغنيك عن سؤال ما لا علم له، قال ابن عباس: يعني اليهود، وقال القرطبي: النصارى وهم الأولى، قال البيضاوي: لا تسأل سؤال مسترشد ولا سؤال متعنت يريد فضيحة المسئول وتزييف ما عنده، فإنه يخل بمكارم الأخلاق، وفي الآية دليل على منع المسلمين من مراجعة أهل الكتاب في شيء من العلم /12.