التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةٞ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةٞ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَجۡمَۢا بِٱلۡغَيۡبِۖ وَيَقُولُونَ سَبۡعَةٞ وَثَامِنُهُمۡ كَلۡبُهُمۡۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا قَلِيلٞۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمۡ إِلَّا مِرَآءٗ ظَٰهِرٗا وَلَا تَسۡتَفۡتِ فِيهِم مِّنۡهُمۡ أَحَدٗا} (22)

قوله تعالى : { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ول تستفت فيهم منهم أحد } . ( ثلاثة ) ، مرفوع ؛ لأنه خبر لمبتدأ محذوف وتقديره : هم ثلاثة . ( رابعهم كلبهم ) ، جملة اسمية في موضع رفع ؛ لأنها صفة ثلاثة . وكذلك التقدير في قوله : ( خمسة سادسهم كلبهم ) {[2793]} .

ذلك إخبار من الله تعالى عن اختلاف الناس في عدة أهل الكهف . وهو قوله : ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) والضمير في ( سيقولون ) يراد به من خاض في هذه المسألة زمن الرسول ( ص ) . فقد قيل : المراد بهم اليهود ؛ فهم الذين أشاروا على المشركين من قريش أن يسألوا النبي ( ص ) عن أهل الكهف . وقيل : المراد بهم النصارى ، إذ اختلفوا فيما بينهم في عدتهم .

وسواء كان المراد اليهود أو النصارى أو المسلمين فإنه لا حاجة تدعو إلى الخوض في مثل هذه المسألة ؛ إذ لا جدوى كبيرة ترتجى من الوقوف على عدد أصحاب الكهف .

على أن القرآن الكريم قد ذكر لنا أقوالا ثلاثة في عدة أصحاب الكهف مما يدل على أنه لا قائل برابع . ويستدل أيضا من ظاهر الآية في هذه المسألة على أن القولين الأولين ضعيفان ؛ لأنه قال عقيب ذكرهما ( رجما بالغيب ) والرجم معناه التكلم بالظن . والرجم بالغيب هو القول ظنا من غير دليل ولا برهان{[2794]} ، وبذلك فإن القول : إنهم ثلاثة أو خمسة ، لا يتجاوز دائرة التخمين أو التكلم بلا علم ولا تدبّر وهو الرجم بالغيب . لكنه قد حكى القول الثالث وسكت عليه وهو قوله : ( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ) فقد أخرج هذا القول من دائرة الرجم بالغيب ، وهو الظن الذي لا يسعفه برهان أو حجة . فدل على أن القول بأنهم سبعة أقرب إلى الصواب ، أو أنه هو الواقع .

وخير ما ينبغي أن يقال ههنا : إن الله أعلم بالصحيح ؛ فهو سبحانه أعلم بعدتهم وهو قوله : ( قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) أي لا يعلم حقيقة عدتهم إلا قليل من الناس .

قوله : ( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) ( تمار ) : تجادل . وهو من المراء ، والممارة بمعنى المناظرة والجدل . تمارى القوم ؛ أي تجادلوا{[2795]} . والمقصود بالمراء الظاهر : لين الحديث ؛ فلا يغلظ عليهم في الاحتجاج ، ولا يكذبهم في تعيين ذلك العدد ؛ بل يجادلهم في سهولة ورفق .

قوله : ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) ( تستفت ) ، من الفتيا أو الفتوى . أفتى في المسألة : أبان الحكم فيها . واستفتاه ؛ أي سأله رأيه في مسألة{[2796]} . والمعنى : لا تسأل أحدا منهم عن قصة أهل الكهف ؛ فإنه لا علم لهم بذلك . وهم لا يقولون في ذلك إلا ما كان رجما بالغيب . وقد جاءك في ذلك الحق الذي لا شك ، فيه فلا حاجة لمساءلتهم .


[2793]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 104.
[2794]:- المصباح المنير جـ1 ص237 ومختار الصحاح ص 236.
[2795]:- المعجم الوسيط جـ2 ص 866.
[2796]:- المعجم الوسيط جـ2 ص 673.