والنجاة لا تكون إلاّ ممّا دخلت فيه وأنت ملقىً فيه ، قال الله سبحانه
{ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } [ الأنبياء : 88 ] واللغة تشهد لهذا ، تقول العرب : ورد كتاب فلان ، ووردتُ بلد كذا ، لا يريدون جزت عليها وإنّما يريدون دخلتها ، ودليلنا أيضاً من السنّة .
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه قال : حدَّثنا أحمد بن عبد الله المزني قال : حدَّثنا محمد بن نصر بن منصور الصائغ الشيخ الصالح قال : حدَّثنا سليمان بن حرب قال : حدَّثنا أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سميّة قال : اختلفنا في الورود ها هنا بالبصرة فقال قوم : لا يدخلها مؤمن ، وقال آخرون : يدخلونها جميعاً ، فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأهوى بإصبعيه إلى أُذنيه وقال : صمّتا إن لم أكن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الورود : الدخول ، لا يبقى بّر ولا فاجر إلاّ دخلها فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم ، حتى أنّ للنار أو لجهنم ضجيجاً لمن تردهم { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } " .
وأخبرنا شعيب بن محمد وعبد الله بن حامد قالا : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدَّثنا أحمد بن الأزهر قال : حدَّثنا روح بن عبدان قال : حدَّثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنّ نافع بن الأزرق ما رأى ابن عباس يقول ابن عباس : الورود الدخول ويقول نافع ليس الورود الدخول فتلا ابن عباس
{ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] أدخل هؤلاء أم لا ؟
{ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ } [ هود : 98 ] أدخل هؤلاء أم لا ؟ والله أنا وأنت فسنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك .
وبإسناده عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله عليه السلام : ما من مسلم يموت له ثلاث من الولد إلاّ لم يلج النار إلاّ تحلّة القَسَم ثم قرأ { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } .
وبإسناده عن روح قال : حدَّثنا شعبة قال : أخبرني إسماعيل السدىّ عن مرّة الهمداني عن ابن مسعود في قوله { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال : يردونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم .
وبه عن روح عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف ، تمرّ الطائفة الأُولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجوَد الخيل ، والرابعة كأجود البهائم ، ثمّ يمرّون والملائكة يقولون : اللهمّ سلّم سلّم .
أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد الاصبهاني قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الهروي قال : حدَّثنا الحسين بن إدريس قال : حدَّثنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن سفيان بن عيبنة عن رجل عن الحسن قال : قال رجل لأخيه : أي أخ هل أتاك أنكّ وارد النار ؟ قال : نعم ، قال : فهل أتاك أنّك خارج منها ؟ قال : لا ، قال : ففيم الضحك إذاً ؟ قال : فما رؤي ضاحكاً حتى مات .
وبإسناده عن عبد الله بن المبارك عن مالك بن معول عن أبي إسحاق عن ابن ميسرة أنّه أوى إلى فراشه فقال : يا ليت أُمي لم تلدني ، فقالت امرأته : يا أبا ميسرة ، إنّ الله سبحانه قد أحسن إليك ، هداك إلى الإسلام فقال : أجل ، ولكنّ الله قد بيّن لنا أنّا واردو النار ولم يبيّن لنا أنّا صادرون منها ، وأنشد في معناه :
لقد أتانا ورود النار ضاحية *** حقّاً يقيناً ولمّا يأتِّنا الصَّدَرُ
فإن قيل : فخبّرونا عن الأنبياء هل يدخلون النار ؟ يقال لهم : لا تطلق هذه اللفظة بالتخصيص فيهم بل نقول : إنّ الخلق جميعاً يردونها .
{ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } [ القصص : 23 ] يقال لهم : إنّ موسى لم يمرّ على تلك البئر ، وإنّما استقى لابنتي شعيب وروى الأغنام وأقام ، وهو معنى الدخول ، والعرب تعبر عن الحي وأماكنهم بذكر الماء ، فتقول : ماء بني فلان .
فإن قيل : فكيف يجوز أن يدخلها من قد أخبر الله سبحانه أنّه لا يسمع حسيسها ولا يدخلها ؟ قيل : إن الله سبحانه أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنّهم لا يسمعون حسيسها فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة لأن الله سبحانه لم يقل : لم يسمعوا حسيسها ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها إذ الله عزّ وجلّ قادر على ان يجعلها عليهم برداً وسلاماً .
وكذلك تأويل قوله لاا يَدْخُلونَ النّارَ أي لا يخلدون فيها ، أو لا يتألّمون ويتأذّون بها ، يدلّ عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد الوزّان قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدَّثنا أبو الأزهر قال : حدَّثنا مؤمّل بن إسماعيل عن أبي هلال عن قتادة عن أنس في قول الله سبحانه
{ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [ آل عمران : 192 ] فقال : إنّك من تخلّد في النّار فقد أخزيته .
والدليل على أنّ الخلق جميعاً يدخلون النار ثمَّ ينجي الله المؤمنين بعضهم سالمين غير آلمين وبعضهم معذّبين معاقبين ثم يدخلهم جميعاً الجنة برحمته ، ما أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال : أخبرنا حاجب بن محمد قال : حدَّثنا محمد بن حامد الأبيوردي قال : حدَّثنا أبو سعيد عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أُم مبشر " عن حفصة قالت : قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم : إنّي أرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية قالت : قلت : يا رسول الله أليس قد قال الله سبحانه { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } ؟ قال : أفلم تسمعيه يقول { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } "
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان قال : أخبرنا جبغوية بن محمد قال : أخبرنا صالح بن محمد بن عبد العزيز بن المسيّب عن الربيع بن بدر عن أبي مسعود عن العباس عن كعب أنّه قال في هذه الآية { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال : ترفع جهنّم يوم القيامة كأنّها متن اهالة وتستوي أقدام الخلائق عليها ، فينادي مناد أن خذي أصحابك ودعي أصحابي ، فتخسف بهم وهي أعرف بهم من الوالدة بولدها ، ويمرّ أولياء الله عزّ وجلّ بندي ثيابهم ، وقال خالد بن معدان : يقول أهل الجنة : ألم يعدنا ربّنا أن نرد النّار ؟ فيقال : بلى ولكنّكم مررتم بها وهي خامدة .
وروى خالد بن أبي الدريك عن يعلى بن منبّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تقول النار للمؤمن يوم القيامة جزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي " .
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : حدَّثنا محمد بن يعقوب قال : حدَّثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي قال : حدَّثنا عبد الرَّحْمن بن أبي حمّاد عن يحيى بن يمان عن عثمان الأسود عن مجاهد في قوله { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال : من حُمَّ من المسلمين فقد وردها .
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدَّثنا عبد الله بن هاشم قال : حدَّثنا يحيى بن سعيد القطان قال : حدَّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج من النار من قال : لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، ثم يخرج من النار من قال : لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة ، ثم يخرج من النار من قال : لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرّة " .
{ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ } يعني اتقوا الشرك وهم المؤمنون ، وفي مصحف عبد الله : ثَمّ ننجي بفتح الثاء يعني هناك { وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ } أي الكافرين { فِيهَا } في النار { جِثِيّاً } جميعاً ، وقيل : على الرُّكَب .
أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن خالد بن الحسن قال : حدَّثنا داود بن سليمان قال : حدَّثنا عبد بن حميد قال : حدَّثنا سعيد بن عامر عن حشيش أبي محرز قال : سمعت أبا عمران الجوني يقول : هبك ننجو بعد كم ننجو ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.