{ وإن منكم } الخطاب للناس من غير التفات ، أو للإنسان المذكور فيكون التفاتاً ، وعلى التقديرين فإن أريد الجنس كأنه لم يكن في قوله : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً } إشكال . ولكنه يشكل بأن المؤمنين كيف يردون النار ؟ وأجيب بما روي عن جابر بن عبد الله أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " إذا دخل أهل الجنة قال بعضهم لبعض : أليس وعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : قد وردتموها وهي خامدة " وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم حتى إن للناس ضجيجاً من بردها " وأما قوله : { أولئك عنها مبعدون } فالمراد عن عذابها . وعن ابن عباس : يردونها كأنها إهالة . ومنهم من لم يفسر الورود ههنا بالدخول لأن ابن عباس قال : قد يرد الشيء الشيء ولم يدخله كقوله تعالى : { لما ورد ماء مدين } [ القصص : 33 ] ومعلوم أن موسى لم يدخل الماء ولكنه قرب منه . ويقال : وردت القافلة البلد إذا قربت منه ، فالمراد بالورود جثوهم حولها وعن ابن مسعود والحسن وقتادة : هو الجواز على الصراط لأن الصراط ممدود عليها . وعن مجاهد : هو مس الحمى جسده في الدنيا قال عليه السلام : " الحمى من فيح جهنم " وفي رواية " الحمى حظ كل مؤمن من النار " وإن أريد بالناس أو بالإنسان الكفرة فلا إشكال في ورودهم النار ولكنه لا يطابقه قوله :
{ ثم ننجي الذين اتقوا } ووجه بأنه أراد أن المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار لا أنهم يوردونها يتخلصون .
أسئلة : كيف يندفع عنهم ضرر النار عند من فسر الورود بالدخول ؟ زعم بعضهم أن البقعة المسماة بجهنم لا يمتنع أن يكون في خلالها مواضع خالية عن النار أشباه الطرق إلى دركات جهنم ، والمؤمنون يردون تلك المواضع . والأصح أنه سبحانه يزيل عنها طبيعة الإحراق بالنسبة إلى المؤمنين وهو على كل شيء قدير ، ولهذا لا تضر النار الملائكة الموكلين بالعذاب . ما الفائدة في إيراد المؤمنين النار إذا لم يعذبوا بها ؟ فيه وجوه منها : أن يزدادوا سروراً إذا رأوا الخلاص منها . ومنها افتصاح الكافرين إذا اطلع المؤمنون عليهم . ومنها أن المؤمنين يوبخون الكفار ويسخرون منهم كما سخروا في الدنيا . ومنها أن يزيد التذاذهم بالجنة فبضدها تتبيّن الأشياء . هل ثبت في الأخبار كيفية دخول النار ثم خروج المتقين منها ؟ قد ثبت أن المحاسبة تكون في الأرض أو في موضعها لقوله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض }
[ إبراهيم : 48 ] وجهنم قريبة من الأرض والجنة في السماء . فالاجتماع يكون في موضع الحساب ثم يدخلون من ذلك الموضع إلى جهنم ، ثم يرفع الله أهل الجنة ويبقى أهل النار فيها . قلت : هذا على رأي الفلاسفة الإسلاميين ظاهر ، فالمحاسبة تكون في الأرض ومرور الكل يكون على كرة النار ، ثم يرفع أهل الكمال إلى السماء ويبقى الكفرة في النار ويؤيده قوله : { كان } أي الورود { على ربك حتماً } أي محتوماً مصدر بمعنى المفعول { مقضياً } قضى به وعزم أن لا يكون غيره ، وذلك أن العبور من جميع الجوانب على كرة النار . وأجمعت المعتزلة بذلك على أن العقاب واجب على الله عقلاً . وقال الأشاعرة : شبه بالواجب من قبل استحالة يطرق الخلف إليه . وقد سبق أن المتقي عند المعتزلة من يجتنب المعاصي كلها ، وعند غيرهم هو الذي اجتنب الشرك فقط ، وقد يهدم بالآية قاعدة القائل بمنزلة بين المنزلتين . وأجيب أن تنجية المتقين أعم من أن تكون إلى الجنة أو إلى غيرها ، هب أن تنجيتهم إلى الجنة إلا أن الذي طاعته ومعصيته سيان غير داخل في المتقين ولا في الظالمين فيبقى حكمه مسكوتاً عنه . ومن المعتزلة من تمسك بالوعيد بقوله : { ونذر الظالمين } ومنع أن الصيغة للعموم ، ولو سلم فمخصص بآيات الوعد لما ردّ على منكري البعث وقرر كيفية الحشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.