غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّٗا} (72)

66

{ وإن منكم } الخطاب للناس من غير التفات ، أو للإنسان المذكور فيكون التفاتاً ، وعلى التقديرين فإن أريد الجنس كأنه لم يكن في قوله : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً } إشكال . ولكنه يشكل بأن المؤمنين كيف يردون النار ؟ وأجيب بما روي عن جابر بن عبد الله أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " إذا دخل أهل الجنة قال بعضهم لبعض : أليس وعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : قد وردتموها وهي خامدة " وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم حتى إن للناس ضجيجاً من بردها " وأما قوله : { أولئك عنها مبعدون } فالمراد عن عذابها . وعن ابن عباس : يردونها كأنها إهالة . ومنهم من لم يفسر الورود ههنا بالدخول لأن ابن عباس قال : قد يرد الشيء الشيء ولم يدخله كقوله تعالى : { لما ورد ماء مدين } [ القصص : 33 ] ومعلوم أن موسى لم يدخل الماء ولكنه قرب منه . ويقال : وردت القافلة البلد إذا قربت منه ، فالمراد بالورود جثوهم حولها وعن ابن مسعود والحسن وقتادة : هو الجواز على الصراط لأن الصراط ممدود عليها . وعن مجاهد : هو مس الحمى جسده في الدنيا قال عليه السلام : " الحمى من فيح جهنم " وفي رواية " الحمى حظ كل مؤمن من النار " وإن أريد بالناس أو بالإنسان الكفرة فلا إشكال في ورودهم النار ولكنه لا يطابقه قوله :

{ ثم ننجي الذين اتقوا } ووجه بأنه أراد أن المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار لا أنهم يوردونها يتخلصون .

أسئلة : كيف يندفع عنهم ضرر النار عند من فسر الورود بالدخول ؟ زعم بعضهم أن البقعة المسماة بجهنم لا يمتنع أن يكون في خلالها مواضع خالية عن النار أشباه الطرق إلى دركات جهنم ، والمؤمنون يردون تلك المواضع . والأصح أنه سبحانه يزيل عنها طبيعة الإحراق بالنسبة إلى المؤمنين وهو على كل شيء قدير ، ولهذا لا تضر النار الملائكة الموكلين بالعذاب . ما الفائدة في إيراد المؤمنين النار إذا لم يعذبوا بها ؟ فيه وجوه منها : أن يزدادوا سروراً إذا رأوا الخلاص منها . ومنها افتصاح الكافرين إذا اطلع المؤمنون عليهم . ومنها أن المؤمنين يوبخون الكفار ويسخرون منهم كما سخروا في الدنيا . ومنها أن يزيد التذاذهم بالجنة فبضدها تتبيّن الأشياء . هل ثبت في الأخبار كيفية دخول النار ثم خروج المتقين منها ؟ قد ثبت أن المحاسبة تكون في الأرض أو في موضعها لقوله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض }

[ إبراهيم : 48 ] وجهنم قريبة من الأرض والجنة في السماء . فالاجتماع يكون في موضع الحساب ثم يدخلون من ذلك الموضع إلى جهنم ، ثم يرفع الله أهل الجنة ويبقى أهل النار فيها . قلت : هذا على رأي الفلاسفة الإسلاميين ظاهر ، فالمحاسبة تكون في الأرض ومرور الكل يكون على كرة النار ، ثم يرفع أهل الكمال إلى السماء ويبقى الكفرة في النار ويؤيده قوله : { كان } أي الورود { على ربك حتماً } أي محتوماً مصدر بمعنى المفعول { مقضياً } قضى به وعزم أن لا يكون غيره ، وذلك أن العبور من جميع الجوانب على كرة النار . وأجمعت المعتزلة بذلك على أن العقاب واجب على الله عقلاً . وقال الأشاعرة : شبه بالواجب من قبل استحالة يطرق الخلف إليه . وقد سبق أن المتقي عند المعتزلة من يجتنب المعاصي كلها ، وعند غيرهم هو الذي اجتنب الشرك فقط ، وقد يهدم بالآية قاعدة القائل بمنزلة بين المنزلتين . وأجيب أن تنجية المتقين أعم من أن تكون إلى الجنة أو إلى غيرها ، هب أن تنجيتهم إلى الجنة إلا أن الذي طاعته ومعصيته سيان غير داخل في المتقين ولا في الظالمين فيبقى حكمه مسكوتاً عنه . ومن المعتزلة من تمسك بالوعيد بقوله : { ونذر الظالمين } ومنع أن الصيغة للعموم ، ولو سلم فمخصص بآيات الوعد لما ردّ على منكري البعث وقرر كيفية الحشر .

/خ98