الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّٗا} (72)

{ ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا } [ مريم : 72 ] .

ورجح الزجاجُ هذا القَوْلَ بقوله تعالى : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء :101 ] .

( ت ) : وحديثُ حفصةَ هذا أَخرجهُ مُسْلِم ، وفيه : ( أَفلم تَسْمَعِيهِ ) يقولُ : { ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا } . وروى ابنُ المبارك في «رُقائقه » أنه لما نزلت هذه الآية { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] ذهب ابن رواحة إلى بيته فبكى : [ فَجَاءَتِ امرأته ، فَبَكَتْ ] ، وَجَاءَتْ الخَادِمُ فَبَكَتْ ، وجَاءَ أَهْلُ البَيْت فَجَعَلُوا يَبْكُونَ ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عَبْرَتُهُ ، قَالَ : يَا أَهْلاَهُ ، مَا يُبْكِيكُمْ ، قَالُوا : لاَ نَدْرِي ، وَلَكِنْ رَأَيْنَاكَ بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا ، فَقَالَ : آيَةٌ نَزَلَتْ على رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم يُنْبِئُنِي فِيهَا رَبِّي أَنِي وَارِدُ النَّارَ ، وَلَمْ يُنْبِئْنِي أَنِّي صَادِرٌ عَنْهَا ، فَذَلِكَ الَّذِي أبْكَانِي انتهى .

وَقال ابنُ مَسْعُودٍ : ورودُهُمْ : هو جَوَازُهُمْ على الصِّراطِ ، وذلك أَنَّ الحديث الصَّحيحَ تضمن أَنَّ الصراط مَضْرُوبٌ على مَتْنِ جهنم .

والحَتْمُ : الأَمْر المنفذُ المجْزُوم ، و{ الذين اتقوا } : معناه اتَّقَوا الكُفْر { ونَذَرُ } دالةٌ على أَنهم كَانُوا فيها ، قال أَبُو عُمَر بنُ عَبْدِ البَرِّ في «التمهيد » بعد أَن ذكر روَاية جابِر ، وابنِ مَسْعُودٍ في الوُرُودِ ، وروي عن كَعْبٍ أَنه تَلاَ ؟ { وإنْ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُهَا } فقال : أَتَدْرُونَ مَا وُرُودُهَا ؟ إنه يُجَاءُ بجهنَّم فتُمْسكُ للناس كأَنها متْن إهَالَة : يعني : الوَدَك الذي يجمد على القِدْر من المرقَةِ ، حَتَّى إذا استقرت عليها أَقدَام الخَلائِق : بَرّهم وفَجارُهم ، نَادَى مُنَادٍ : أَنْ خُذِي أَصْحَابِك ، وذَرِي أَصْحَابِي ، فيُخْسَفُ بكلِّ وليٍّ لها ، فَلَهِيَ أَعلَمُ بهم مِنَ الوَالِدَة بولَدِهَا ، وينجو المُؤْمِنُونَ نَدِيَّة ثيابهم ، وروي هذا المعنى عن أَبي نَضْرَةَ ، وزاد : وهو معنى قولِه تَعَالَى : { فاستبقوا الصراط فأنى يُبْصِرُونَ } [ يس : 66 ] انتهى .