{ وَتُبْ عَلَيْنَآ } تجاوز عنّا وارجع علينا بالرأفة والرحمة . { إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ } المتجاوز الرجّاع بالرحمة على عبادك . { الرَّحِيمُ } . { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ } أي في الأمّة المسلمة من ذريّة إبراهيم وإسماعيل .
وقيل : في أهل مكّة { رَسُولاً } أي مرسلاً وهو فعُول من الرسالة .
وقال ابن الأنباري : يشبه أن يكون أصله من قولهم ناقة مرسال ورسله إذا كانت سهلة السّير ماضية أمام النواق .
ويقال للجماعة المهملة المرسلة : رسْل وجمعه أرسال .
ويقال : جاء القوم ارسالاً أيّ : بعضهم في أثر بعض ، ومنه قيل للّبن رُسلاً لأنّه يرسل من الضّرع . { يَتْلُواْ } يقرأ { عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ } كتابك جمع الآية وهي العلامة .
وقال الشيباني : هي قولهم : خرج القوم بمافيهم أي بجماعتهم . { وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } فقال بعضهم : الآية هاهنا الكتاب فنسّق عليه خلاف اللفظين كقول الحطيئة :
ألا حبّذا هند وأرض بها هند *** وهند تفصيل اتى من دونها النّأي والبعد
مجاهد : يعني الحكمة فهم القرآن .
مقاتل : هي مواعظ القرآن وما فيه من الأحكام وبيان الحلال والحرام .
ابن قتيبة : هي العلم والعمل ولا يسمّى الرّجل حكيماً حتّى يجمعهما .
وعن أبي بكر محمّد بن الحسن البريدي : كلّ كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم ، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إنّ من الشّعر لحكمة " .
وعن أبي جعفر محمّد بن يعقوب : الحكمة كلّ صواب من القول ورّث فعلاً صحيحاً أو حالاً صحيحاً .
يحيى بن معاذ : الحكمة جند من جنود الله يرسلها إلى قلوب العارفين حتّى يروّح عنها وهج الدّنيا ، وقيل : هي وضع الأشياء مواضعها ، وقيل : الحكمة والحكم كلّما وجب عليك فعله .
قد قلت قولاً لم يعنّف قائله *** الصمت حكم وقليل فاعله
وقيل : هي الشرك والذّنوب ، وقيل : أخذ زكاة أموالهم .
وقال ابن كيسان : يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا الأنبياء بالبلاغ ، دليله قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [ البقرة : 143 ] . { إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ } ابن عبّاس : العزيز الّذي لا يوجد مثله ، بيانه قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] .
الكلبي : العزيز المنتقم ممّن يشاء بيانه قوله { وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } [ آل عمران : 4 ] .
الكسائي : العزيز الغالب بيانه قوله { وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } [ ص : 23 ] : أي غلبني .
ابن كيسان : العزيز الّذي لا يعجزه شيء بيانه قوله : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ } [ فاطر : 44 ] .
المفضَّل بن سلمة : العزيز المنيع الّذي لا تناله الأيدي فلا يردّ له أمر ولا يغلب فيما أراد بيانه قوله : { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] .
وقيل : بمعنى المعزّ فعيل بمعنى مفعل بيانه قوله { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } [ آل عمران : 26 ] .
وقيل : هو القوي بيانه قوله { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } [ يس : 14 ] أي قوّينا . فأصل العزّة في اللّغة الشدّة يقال تعزز لحم النّاقة إذا إشتدّ ويقال : عزّ عليّ أي شقّ عليّ وأشتد ، وأنشد أبو عمرو :
أجد إذا ضمرت تعزّز لحمها *** وإذا نشد بتسعها لا تيئس
فاستجاب الله دعاء إبراهيم وبعث فيهم محمّداً سيّد الأنبياء ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّي عبد الله في أُمّ الكتاب لخاتم النبييّن وإنّ آدم لمجدل في طينة وسوف أنبئكم بذلك دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ( عليهما السلام ) قومه ، ورؤيا أْمي التي رأت إنّه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وكذلك ترى أمّهات النبييّن " .
سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } الآية .
وذلك إن عبد الله بن سلام دعا إبني أخيه سلمة ومهاجر إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما إنّ الله عزّ وجلّ قال في التوراة : إنّي باعث من ولد إسماعيل نبياً إسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ورشد ومن لم يؤمن به فهو ملعون ، فأسلم سلمة وأبى مهاجراً أن يسلم فأنزل الله تعالى : { وَمَن يَرْغَبُ عَن . . } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.