البعث : الإرسال ، والإحياء ، والهبوب من النوم .
العزيز ، يقال : عزيعز بضم العين ، أي غلب ، ومنه : { وعزني في الخطاب } ، وعز يعز بفتحها ، أي اشتد ، ومنه : عز علىَّ هذا الأمر ، أي شق ، وتعزز لحم الناقة : اشتد .
وعزيعز من النفاسة ، أي لا نظير له ، أو قل نظيره .
{ ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم } : لما دعا ربه بالأمن لمكة ، وبالرزق لأهلها ، وبأن يجعل من ذريته أمّة مسلمة ، ختم الدعاء لهم بما فيه سعادتهم دنيا وآخرة ، وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فيهم ، فشمل دعاؤه لهم الأمن والخصب والهداية .
وقد تقدم معنى البعث في قوله : { ثم بعثناكم } ، والمراد هنا : الإرسال إليهم .
والضمير في فيهم يحتمل أن يعود على الذرية ، ويحتمل أن يعود على أمّة مسلمة ، ويحتمل أن يعود على أهل مكة ، ويؤيده قوله : { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم } ، ولا خلاف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصح عنه أنه قال : «أنا دعوة أبي إبراهيم » .
ولم يبعث الله إلى مكة وما حولها إلا هو صلى الله عليه وسلم .
وقرأ أبيّ : وابعث فيهم في آخرهم ، قال ابن عباس : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ومحمد صلى الله عليه وسلم .
ومنهم في موضع الصفة لرسولا ، أي كائناً منهم لا من غيرهم ، فهم يعرفون وجهه ونسبه ونشأته ، كما قال : { لقد منّ الله على المؤمنين ، إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } ، ودعا بأن يبعث الرسول فيهم منهم ، لأنه يكون أشفق على قومه ، ويكونون هم أعز به وأشرف وأقرب للإجابة ، لأنهم يعرفون منشأه وصدقه وأمانته .
قال الربيع : لما دعا إبراهيم قيل له : قد استجيب لك ، وهو في آخر الزمان .
{ يتلوا عليهم آياتك } جملة في موضع الصفة لرسولاً .
وقيل : في موضع الحال منه ، لأنه قد وصف بقوله منهم ، ووصف إبراهيم الرسول بأنه يكون يتلو عليهم آيات الله ، أي يقرؤها ، فكان كذلك ، وأوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، وهو أعظم المعجزات .
وقبل الله دعاء إبراهيم ، فأتى بالمدعو له على أكمل الأوصاف التي طلبها إبراهيم ، والآيات هنا آيات القرآن .
وقيل : خبر من مضى ، وخبر من يأتي إلى يوم القيامة ، وقال الفضل : معناه يبين لهم دينهم .
{ ويعلمهم الكتاب } : هو القرآن ، والمعنى : أنه يفهمهم ويلقي إليهم معانيه .
وكان ترتيب التعليم بعد التلاوة ، لأنه أول ما يقرع السمع هو التلاوة والتلفظ بالقرآن ، ثم بعد ذلك تتعلم معانيه ويتدبر مدلوله .
وأسند التعليم للرسول ، لأنه هو الذي يلقي الكلام إلى المتعلم ، وهو الذي يفهمه ويتلطف في إيصال المعاني إلى فهمه ، ويتسبب في ذلك .
والتعليم يكون بمعنى التفهيم وحصول العلم للمتعلم ، ويكون بمعنى إلقاء أسباب العلم ، ولا يحصل به العلم ، ولذلك يقبل النقيضين ، تقول : علمته فتعلم ، وعلمته فما تعلم ، وذلك لاختلاف المفهومين من تعلم .
قال الزمخشري : يتلو عليهم آياتك : يقرأ عليهم ، ويبلغهم ما يوحي إليه من دلائل وحدانيتك وصدق أنبيائك ، ويعلمهم الكتاب القرآن ، { والحكمة } : الشريعة وبيان الأحكام .
وقال قتادة : الحكمة : السنة ، وبيان النبي : الشرائع .
وقال مالك وأبو رزين : الحكمة ، الفقه في الدين ، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى .
وقال مجاهد : الحكمة : فهم القرآن .
وقال مقاتل : العلم والعمل به لا يكون الرجل حكيماً حتى يجمعهما .
وقيل : ما لا يعلم إلا من جهة الرسول .
وقال ابن زيد : كل كلمة وعظتك ، أو دعتك إلى مكرمة ، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة .
وقال بعضهم : الحكمة هنا الكتاب ، وكررها توكيداً .
وقال أبو جعفر محمد بن يعقوب : كل صواب من القول ورّث فعلاً صحيحاً فهو حكمة .
وقال يحيى بن معاذ : الحكمة جند من جنود الله ، يرسلها الله إلى قلوب العارفين حتى يروّح عنها وهج الدنيا .
وقيل : هي وضع الأشياء مواضعها .
وهذه الأقوال في الحكمة كلها متقاربة ، ويجمع هذه الأقوال قولان : أحدهما ، القرآن والآخر السنة ، لأنها المبينة لما أنبهم من الكتاب ، والمظهرة لوجوه الأحكام .
ويكون المعنى ، والله أعلم ، في قوله : { يتلو عليهم آياتك } ، أي يفصح لهم عن ألفاظه ويوقفهم بقراءته على كيفية تلاوته ، كما قال صلى الله عليه وسلم لأُبي : « إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن » ، وذلك لأن يتعلم أبي منه صلى الله عليه وسلم كيفية أداء القرآن ومقاطعه ومواصلة .
وفي قوله : { ويعلمهم الكتاب } ، أي يبين لهم وجوه أحكامه : حلاله وحرامه ، ومفروضه ، ومسنونه ، ومواعظه ، وأمثاله ، وترغيبه ، وترهيبه ، والحشر ، والنشر ، والعقاب ، والثواب ، والجنة والنار .
وفي قوله : والحكمة ، أي السنة تبين ما في الكتاب من المجمل ، وتوضح ما أنبهم من المشكل ، وتفصح عن مقادير ، وعن إعداد مما لم يتعرض الكتاب إليه ، ويثبت أحكاماً لم يتضمنها الكتاب .
{ ويزكيهم } باطناً من أرجاس الشرك وأنجاس الشك ، وظاهراً بالتكاليف التي تمحص الآثام وتوصل الإنعام .
قال ابن عباس : التزكية : الطاعة والإخلاص .
وقال ابن جريج : يطهرهم من الشرك .
وقيل : يأخذ منهم الزكاة التي تكون سبباً لطهرتهم .
وقيل : يدعوا إلى ما يصيرون به أزكياء .
وقيل : يشهد لهم بالتزكية من تزكية العدول ، ومعنى الزكاة لا تخرج عن التطهير أو التنمية .
{ إنك أنت العزيز الحكيم } ، العزيز : الغالب ، أو المنيع الذي لا يرام ، قاله المفضل بن سلمة ، أو الذي لا يعجزه شيء ، قاله ابن كيسان ، أو الذي لا مثل له ، قاله ابن عباس ، أو المنتقم ، قاله الكلبي ، أو القوي ، ومنه فعزنا بثالث ، أو المعز ومنه : { وتعز من تشاء } الحكيم : قد تقدم تفسير الحكيم في قصة الملائكة وآدم في قوله :
{ إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } وأنت : يجوز فيها ما جاز في { أنت السميع العليم } قبل من الأعاريب .
وهاتان الصفتان متناسبتان لما قبلهما ، لأن إرسال رسول متصف بالأوصاف التي سألها إبراهيم لا تصدر إلا عمن اتصف بالعزة ، وهي الغلبة أو القوّة ، أو عدم النظير ، وبالحكمة التي هي إصابة مواقع الفعل ، فيضع الرسالة في أشرف خلقه وأكرمهم عليه ، الله أعلم حيث يجعل رسالاته .
وتقدّمت صفة العزيز على الحكيم لأنها من صفات الذات ، والحكيم من صفات الأفعال ، ولكون الحكيم فاصلة كالفواصل قبلها .
وفي المنتخب : يتلو عليهم آياتك : هي القرآن .
وقيل : الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته .
ومعنى التلاوة : تذكيرهم بها ودعاؤهم إليها وحملهم على الإيمان بها ، وحكمة التلاوة : بقاء لفظها على الألسنة ، فيبقى مصوناً عن التحريف والتصحيف ، وكون نظمها ولفظها معجزاً ، وكون تلاوتها في الصلوات وسائر العبادات نوع عبادة إلا أن الحكمة العظمى تعليم ما فيه من الدلائل والأحكام .
وقال القفال ، عبر بعض الفلاسفة عن الحكمة ، بأنها التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية ، وقيل الحكمة المتشابهات .
وقيل : الكتاب أحكام الشرائع ، والحكمة وجوه المصالح والمنافع فيها ، وقيل : كلها صفات للقرآن ، هو آيات ، وهو كتاب وهو حكمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.