وقوله : { رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ . . } [ البقرة :129 ] .
هذا هو الذي أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وبشرى عيسى ) ، ومعنى { مِّنْهُمْ } ، أي : يعرفُوهُ ، ويتحقَّقوا فضلَه ، ويشفق عليهم ، ويحرص .
( ت ) وقد تواتَرَتْ أخبار نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وبعثته في الكتب السالفة ، وعَلِمَ بذلك الأحْبارُ ، وأخبروا به ، وبتعيين الزَّمَن الذي يبعث فيه ، وقد روى البيهقيُّ أحمد بن الحُسَيْن ، وغيره ، عن طلحة بن عُبَيْد اللَّه - رضي اللَّه عنه - قَالَ : " حَضَرْتُ سُوقَ بصرى ، فَإِذَا رَاهِبٌ في صومعة ، يقول : سَلُوا أَهْلَ هَذَا المَوْسِمِ ، أفيهِمْ مَنْ هو مِنْ هذا الحَرَمِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا ، فما تَشَاءُ ؟ قَالَ : هَلْ ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ ؟ قُلْتُ : ومَنْ أَحْمَدُ ؟ قَالَ : أحمدُ بْنُ عبدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، هَذَا شَهْرُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ ، وَهُوَ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ ، مَخْرَجُهُ مِنَ الحَرَمِ ، وَمُهَاجَرُهُ إلى نَخْلٍ وَسِبَاخٍ ، إِذَا كَانَ ، فَلاَ تُسْبَقَنَّ إِلَيْهِ ، فَوَضَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ ، وَأَسْرَعْتُ اللَّحَاق بِمَكَّةَ ، فَسَأَلْتَ ، هَلْ ظَهَرَ بَعْدِي أَمْرٌ ؟ فَقَالُوا : مُحَمَّدٌ الأُمِّيُّ قَدْ تَنَبَّأَ ، وَتَبِعَهُ أبو بَكْرِ بْنُ أبِي قُحَافَةَ ، فَمَشَيْتُ إلى أَبِي بَكْرٍ ، وَأَدْخَلَنِي إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَسْلَمْتُ " ، وقد روى العُذْرِيُّ وغيره عن أبي بكر - رضي اللَّه عنه - أنَّه قَالَ : «لقيتُ شيخاً باليمن ، فقال لي : أنْتَ حَرَمِيٌّ ؟ فقلت : نعم ، فقال : وأحسبكَ قُرَشِيًّا ؟ قلت : نعم ، قال : بَقِيَتْ لِي فيكَ واحدةٌ ، اكشف لي عن بَطْنك ؟ قُلْتُ : لا أفعل ، أو تخبرني لِمَ ذلك ، قال : أجدُ في العلْمِ الصحيحِ أن نبيًّا يبعثُ في الحرمين ، يقارنه على أمره فتًى ، وكَهْل ، أمَّا الفتى ، فخوَّاض غمراتٍ ، ودفَّاع مُعْضِلاَتٍ ، وأما الكَهْل ، فأبيضُ نحيفٌ ، على بطنه شَامَةٌ ، وعلى فَخِذِهِ اليسرى علامةٌ ، وما عليك أنْ تريني ما سألتُكَ عَنْه ، فقد تكامَلَتْ فيك الصِّفَةُ ، إِلا ما خَفِيَ علَيَّ ، قال أبو بكر : فكَشَفْتُ له عَنْ بطني ، فرأى شامَةً سوداء فوق سُرَّتي ، فقالَ : أَنْتَ هو وربِّ الكعبة ، إِني متقدِّم إِليك في أمْرٍ ، قُلْتُ : مَا هُوَ ؟ قال : إِيَّاكَ ، والمَيْلَ عن الهدى ، وعليك بالتمسُّك بالطريقةِ الوسطى ، وخَفِ اللَّه فيما خَوَّلَكَ ، وأعطى ، قال أبو بكر : فلمَّا ودعتُهُ ، قال : أَتَحْمِلُ عنِّي إِلى ذلك النبيِّ أبياتاً ؟ قلت : نعم ، فأنشأ الشيخ يَقُولُ : [ الطويل ]
أَلَمْ تَرَ أَنِّي قَدْ سَئِمْتُ مُعَاشِرِي *** وَنَفْسِي وَقَدْ أَصْبَحْتُ فِي الحَيِّ عَاهِنَا
حَيِيتُ وَفِي الأَيَّامِ لِلْمَرْءِ عِبْرَةٌ *** ثَلاَثَ مِئينَ بَعْدَ تِسْعِينَ آمِنَا
وَقَدْ خَمَدَتْ مِنِّي شَرَارَةُ قُوَّتِي *** وَأُلْفِيتُ شَيْخاً لاَ أُطِيقُ الشِّوَاحِنَا
وَأَنْتَ وَرَبِّ الَبْيتِ تَأْتِي مُحَمَّداً *** لِعَامِكَ هَذَا قَدْ أَقَامَ البَرَاهِنَا
فَحَيِّي رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي فَإِنَّنِي *** على دِينِهِ أَحْيَا وَإِنْ كُنْتُ قَاطِنَا
قال أبو بكر : فحفظْتُ شعره ، وقَدِمْتُ مكَّة ، وقد بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فجاءني صناديد قُرَيْشٍ ، وقالوا : يا أبا بكْرٍ ، يتيمُ أَبِي طالِبٍ ، يَزْعُم أنه نبيٌّ ، قال : فجئْتُ إلى منزلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقرعْتُ علَيْه ، فخرَجَ إِلَيَّ ، فَقُلْتُ : يَا مُحَمَّدُ ، فُقِدْتَ مِنْ مَنَازِلِ قَوْمِكَ ، وَتَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ ، فَقَالَ : ( يَا أَبَا بَكْرٍ ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ ، وَإِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ، فَآمِنْ بِاللَّهِ ، فَقُلْتُ : وَمَا دَلِيلُكَ ؟ قَالَ : الشَّيْخُ الَّراهِبُ الَّذِي لَقِيتَهُ بِاليَمَنِ ، قُلْتُ : وَكَمْ مِنْ شَيْخٍ لَقِيتُ ؟ قَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ أُرِيدُ ، إِنَّمَا أُرِيدُ الشَّيْخَ الَّذِي أَفَادَكَ الأَبْيَاتَ ، قُلْتُ : وَمَنْ أَخْبَرَكَ بِهَا ؟ قَالَ : الرُّوحُ الأمِينُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي الأَنْبِيَاءَ قَبْلِي ، قُلْتُ : مُدَّ يَمِينَكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فانصرفت وَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَشَدُّ مِنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَرَحاً بِإِسْلاَمِي " .
انتهى من تأليف ابن القَطَّان في «الآياتِ والمعجزاتِ » .
و{ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتك }[ البقرة :129 ] ، أي : آيات القُرآن ، و{ الكتاب } : القرآن ، قال قتادة : { والحكمة } السنة ، وروى ابن وهْب عن مالكٍ أن { الحكمة } : الفقْهُ في الدين ، والفهم الذي هو سجيَّة ونور من اللَّه تعالى .
( ت ) ونقل عِيَاضٌ في «مداركه » عن مالك أن { الحكمة } نورٌ يقذفه اللَّه في قلب العبد ، وقال أيضاً : يقع في قلبي أنَّ { الحكمة } الفقْهُ في دين اللَّه ، وأمر يدخلُه اللَّه القلُوبَ من رحمته وفَضْله ، وقال أيضاً : { الحكمة } التفكُّر في أمر اللَّه ، والاتِّباعُ له ، والفقْه في الدِّين ، والعمل به . انتهى .
وقد أشار ( ع ) إلى هذا عند قوله تعالى : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَن يَشَاءُ } [ البقرة : 269 ] .
( ت ) والظاهر أن المراد ب { الحكمة } هنا : ما قاله قتادة ، فتأمَّله .
{ وَيُزَكِّيهِمْ }[ البقرة :129 ] معناه يطَهِّرهم ، وينمِّيهم بالخَيْر ، و{ العزيز } : الَّذي يغلب ، ويتم مراده ، و{ الحكيم } : المصيبُ مواقعَ الفعْلِ ، المُحْكِمُ له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.