الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (129)

قوله : { فِيهِمْ } في هذا الضميرِ قولان : أحدُهما : أنه عائدٌ على معنى الأمة ، إذ لو عادَ على لفظِها لقال : " فيها " قاله أبو البقاء ، والثاني : أنه يعودُ على الذريةِ بالتأويلِ . المتقدِّم . وقيل : يعودُ على أهل مكة ، ويؤيده :

{ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً } [ الجمعة : 2 ] .

قوله تعالى : { مِّنْهُمْ } : في محلِّ نصبٍ لأنه صفةٌ لرسولاً فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أي : رسولاً كائناً منهم .

قوله : { يَتْلُواْ } في محلِّ هذه الجملة ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنها في محلِّ نصبٍ صفةً ثانيةً لرسولاً ، وجاء هذا على الترتيبِ الأحْسَنِ إذ تقدَّم ما هو شبيهٌ بالمفردِ وهو المجرورُ على الجملةِ . والثاني : أنها في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ من " رسولا " لأنه لَمَّا وُصِفَ تخصَّصَ . الثالث : أنها حالٌ من الضميرِ في " مِنْهم " والعاملُ فيها الاستقرارُ الذي تعلَّق به " منهم " لوقوعِه صفةً .

وتقدَّم قولُه " العزيزُ " لأنها صفةُ ذاتٍ وتأخَّر " الحكيمُ " لأنها صفةُ فِعْل .

ويقال : عَزَّ يَعُزَّ ، وَيَعَزُّ ، ويَعِزُّ ، ولكنْ باختلافِ معنىً ، فالمضمومُ بمعنى غَلَب ومنه : { وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ } [ ص : 23 ] والمفتوحُ بمعنى الشدةِ ، ومنه : عَزَّ لحمُ الناقة أي : اشتدَّ ، وعَزَّ عليَّ هذا الأمرُ ، والمكسورُ بمعنى النَّفاسةِ وقلةِ النظري .