تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (129)

الآية 129 وقوله تعالى : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } [ يحتمل وجوها : يحتمل { رسولا منهم } من المسلمين لأنه أخبر أن عهده لا ينال الظالم . ويحتمل { رسولا منهم } ]{[1587]} من جنسهم من البشر [ لأنه أقرب ]{[1588]} إلى المعرفة والصدق ممن كان من غير جنسهم كقوله تعالى : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا } الآية{[1589]} [ الأنعام : 9 ] . ويحتمل { رسولا منهم } أي من قومهم{[1590]} ومن جنسهم وبلسانهم لا من غيرهم ولا بغير لسانهم كقوله : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه } [ التوبة : 128 ] . [ والله أعلم ]{[1591]} .

وقوله : { يتلو عليهم آياتك } قيل : الآيات هي الحجج وقيل : الآيات هي الدين . ويحتمل : يدعوهم إلى توحيدك ، والله أعلم .

وقوله : { ويعلمهم الكتاب } يعني القرآن : ما أمرهم به ، ونهاهم عنه ونحو ذلك{[1592]} . و{ الحكمة } قيل : الفقه ؛ يقول : { ويعلمهم الكتاب } وما فيه من الفقه . وقيل : { والحكمة } : ما فيه من الأحكام من الحلال والحرام . [ وقيل : { والحكمة } هي السنة ههنا ]{[1593]} . وقيل :

{ والحكمة } : هي الإصابة . وبعض هذا قريب{[1594]} من بعض ، وبالله التوفيق .

وقال [ الحسن ]{[1595]} : { الحكمة } ، هي القرآن أعاد القول به ، يعني تكرار ){[1596]} . وقال ابن عباس : رضي الله عنه { الحكمة } : الفقه .

وقوله : { ويزكيهم } قال ابن عباس رضي الله عنه : يأخذ زكاة أموالهم ؛ فذلك يزكيهم ، كقوله : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم }

[ التوبة : 103 ] . وقيل : يزكيهم إلى ما به زكاة أنفسهم . وقيل : يزكيهم بعمل الصالح .

فإن قال لنا قائل ممن ينتحل مذهب الاعتزال : أليس الله عز وجل أضاف التزكية والهداية إلى رسوله ولم يكن منه حقيقة فعل التزكية والهداية ، ولا خلق ذلك منه ؟ كيف لا قلتم أيضا في ما أضاف ذلك إلى نفسه : أن ليس فيه منه خلق ولا حقيقة سوى الدعاء والبيان على ما لم يكن في إضافة ذلك إلى رسوله سوى الدعاء والبيان ؟

قيل : كذلك على ما قلتم : إنه أضاف إلى ذلك رسوله بقوله : { وتزكيهم } [ التوبة : 103 ] وبقوله : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }

[ الشورى : 52 ] وقال{[1597]} : { ولكل قوم هاد } [ الرعد : 7 ] غير أنه جعل إلى نفسه فضل هداية لم يجعل ذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم . وأثبت زيادة تزكية ، ثم يثبت ذلك لرسوله عليه السلام كقوله : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } [ القصص : 56 ] وكقوله : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء } [ النور : 21 ] ]{[1598]} ؛ فدلت إضافة تلك الزيادة إلى نفسه على أن له [ فضل فعل ]{[1599]} ليس ذلك لرسوله ، وهو خلق فعل الاهتداء وفعل التزكية ، وبالله التوفيق .

وبعد فإن الرسول لا يحتمل أن يملك قدرة فعل أحد يقدره عليه لو أراد بما أقدرهم الله على الفعل حتى قدروا ، فجاز أن يكون له عليه قدرة ،

[ وفي ]{[1600]} تحقيقها جواز خلق ذلك له ، [ ومثله ]{[1601]} في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتمل ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله : { إنك أنت العزيز الحكيم } أي لا شيء يعجزه . والعزيز بذاته . وكل شيء دونه غير عزيز ذليل . وقيل : العزيز : المنيع . وقيل : العزيز : المنتقم من أعدائه ، والحكيم : هو المصيب في فعله ، [ والحكيم في أمره ونهيه ]{[1602]} ، والحكيم : هو الذي أحكم كل شيء وجعله{[1603]} دليلا على وحدانيته .

ثم ذكر بعض المفسرين علل المناسك ؛ فقال : سميت العرفات عرفات لما قيل له : عرفت ، [ ومنة لما قيل له : تمنه ]{[1604]} ، ورمي الجمار لما استقبل إبراهيم{[1605]} الشيطان فرمى : فهذه العلل لا تطمئن بها القلوب ، وتنفر عنها الطباع . ألا ترى أنه ذكر في قصة آدم فعل ذلك جملة ، فزال المعنى الذي ذكر [ في ]{[1606]} إبراهيم عليه السلام ثم قد ذكر في الخبر ان الملائكة قالت لآدم : ( حججناها قبلك بألفي عام ) ، فثبت أنهم قد فعلوا هذا كله ؟

ثم يمكن نصب الحكمة فيه من طريق الفعل{[1607]} ، وهو أن الحج قصد لزيارة ذلك المكان ، أمر{[1608]} بمختلف الأفعال الواقع بها{[1609]} الزيارة ؛ كالصلاة : إنها الخضوع لعينه ؛ أمر فيها بإحضار الأفعال المختلفة من حال الخضوع . ثم المرء قد يخضع مرة بالقيام ، ومرة بالركوع ، ومرة بالسجود ؛ أمر بإحضار مختلف{[1610]} الأفعال التي فيها الزورة{[1611]} ، غير أن الصلاة تخالف الحج [ فلأن ]{[1612]} أفعالها فعل المعاش أمر بإحضار حالة تذكره [ الخضوع والوقوف لله ]{[1613]} مفرقا بين [ تلك ]{[1614]} الحالة وحالة المعاش ، ولهذا تقضى في كل مكان .

ثم أفعال الحج في ظاهرها إلى أفعال المعاش وما إليه وقع القصد لا عينها ، غير أن فيه تكلف{[1615]} المعاش ، ولهذا ما لا يقضى{[1616]} في كل مكان .


[1587]:- من ط م.
[1588]:- من ط م، في الأصل و ط ع: لأن الأقرب.
[1589]:- أدرج في ط ع تتمة الآية بدل هذه الكلمة.
[1590]:- من ط م و ط ع، في الأصل: قولهم.
[1591]:- ساقطة من الأصل و ط م.
[1592]:- أدرج في ط م بعد هذه الكلمة: وقوله.
[1593]:- من ط م.
[1594]:- في ط ع: أقرب.
[1595]:- من ط م.
[1596]:- من ط م، في الأصل و ط ع: تكرار.
[1597]:-في الأصل و ط ع: وكقوله. في ط م: قوله.
[1598]:- من ط م.
[1599]:- من ط م، في الأصل: فضل فعمل، في ط ع: فضلا فعملا.
[1600]:- من ط م.
[1601]:- من ط م.
[1602]:- من ط م و ط ع.
[1603]:- الواو ساقطة من النسخ الثلاث.
[1604]:- من ط م، في الأصل: ومنا لنا قيلك ثمنه، في ط ع: ومنا لما قيل له: ثمنته.
[1605]:- في النسخ الثلاث: لإبراهيم.
[1606]:- من ط م و ط ع.
[1607]:- في ط م و ط ع: العقل.
[1608]:- في ط م: فأمر.
[1609]:- من ط م، في الأصل و ط ع: به.
[1610]:- من ط م، في الأصل و ط ع: مختلفة.
[1611]:- من ط م، في الأصل: المرورة، في ط ع: الضرورة.
[1612]:- من ط م.
[1613]:- في ط م: الخضوع والوقوف.
[1614]:- من ط م و ط ع.
[1615]:- من ط م و ط ع، في الأصل: يتكلف.
[1616]:- من ط م و ط ع.، في الأصل: يقتضى.