الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِـۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (132)

{ وَوَصَّى } في مصحف عبد الله : فوّصى ، وقال أهل المدينة والشام : وأوصى بالألف ، وكذلك هو في مصاحفهم .

قال أبو عبيد : وكذلك رأيت في مصحف عثمان ، وقرأ الباقون " ووصّى " مشدداً ، وهما لغتان ، يُقال : أوصيته قد وصيته به إذا أمرته به مثل : أنزل ونزّل . قال الله { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] ، وتصديق الأيصاء قوله { يُوصِيكُمُ اللَّهُ } [ النساء : 11 ] ، وقوله { يُوصِينَ } [ النساء : 12 ] ، ودليل التوصية قوله { وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [ العنكبوت : 8 ] ، وقوله { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } [ يس : 50 ] .

الكلبي ومقاتل : يعني كلمة الأحاد لا إله إلاّ الله ، وقال أبو عبيدة : إن شئت رددت الكناية إلى الملّة لأنّه ذكر ملّة إبراهيم وأن شئت رددتها إلى الوصية .

وقال المفضل : بالطاعة كناية عن غير مذكور ، كقوله { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } [ ص : 32 ] ، وقال طرفة :

على مثلها الحواء إذا قال صاحبي *** ألا ليتني أفديك عنها وافتدي

أي من الفلاة . { بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } التمنية : إسماعيل وأمّه هاجر القبطية ، وإسحاق وأمّه سارة ، ومدين و [ . . . سراين ] ونقشان ، وآتون ، ويشبق ، وشوخ ، وأمّهم جميعاً قطورا بنت يقطن الكنعانية تزوّجها إبراهيم بعد وفاة سارة .

وقوله تعالى { وَيَعْقُوبُ } وسُمي بذلك لأنه والعيص كانا توأمين فتقدّم عيص في الخروج من بطن أمّه وخرج يعقوب على أثره فأخذ يعقبه . قاله ابن عبّاس وقد مضت القصّة .

وقيل : سُمّي يعقوب لكثرة عقبه ، وعن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بُعثت على أثر ثمانية الآف نبيّ أربعة آلاف من بني إسرائيل " .

ومعنى الآية : ووصى بها أيضاً ، ويعقوب : بنيه الأثني عشر وهم روفيل أكبر ولده وشمعون ولاوي وهودا وفريالون وسجر ودان ومفتالي وجاد واشرب ويوسف وابن يافين . { يَابَنِيَّ } معناه أن يا بنيّ ، وكذلك في قراءة أُبي وابن مسعود ، وقال الفراء : إنّما قال ذلك لأنّ الوصية قول وكان تقديره وقال : يا بنيّ كقوله { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 9 ] أي وقال لهم لأنّ العبرة بالقول وقال { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ } [ النساء : 11 ] معناه ويقول للذكر مثل حظ الأنثيين .

وقال الشاعر :

إنّي سأبدي لك فيما أُبدي *** من شجنان شجن نجد وشجن لي ببلاد الهند

أي وأقول لأنّ الابداء في المعنى كالقول باللسان .

وحكى ابن مجاهد عن بعضهم ويعقوب أيضاً نسقاً على بنيه لأنه في جملة الموصّين . { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ } اختار لكم الإسلام . { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } مؤمنون وقيل : مخلصون وقيل : مفوضون وعن الفضيل ابن عياض في قوله : { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } أي محسنون بربّكم الظن .