الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (128)

{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ } موحّدين مطيعين مخلصين { لَكَ } .

وقرأ عون بن أبي جميلة : مسلمين بكسر الميم على الجمع . { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ } أولادنا { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا } علمنا نظيره قوله { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ } [ النساء : 105 ] أي : علّمك الله وفيه أربع قراءات :

عبد الله بن مسعود : وأرهم مناسكهم ردّه إلى الأمّة .

وقرأ عمر بن عبد العزيز وقتادة وابن كثير ورويس بسكون الرّاء كل القرآن .

وقرأ أبو عمرو : باختلاس كسره للواو .

وقرأ الباقون : بكسر الرّاء والأصل فيها أرانا بالهمز فحذفت استخفافاً .

فمن قرأ بالجزم قال : ذهبت الهمزة وذهبت حركتها وبقيت الرّاء ساكنة على حالها واستدل بقول السدي : أَرْنَا أداوة عبدالله نملأها من ماء زمزم إنّ القوم قد ظمئوا .

ومن كسر فأنّه نقل حركة الهمزة المحذوفة إلى الرّاء .

وأمّا أبو عمرو فطلب الخفّة .

وأخبر القاسم بن سلام عن شجاع بن أبي نصر قال ، وكان أميناً صدوقاً : إنّه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام فذكّره أشياء من حرف أبي عمرو فلم يردّ عليه إلاّ حرفين أحدهما هذا والآخر : ما ننسخ من آية أو ننسأها مهموزة . { مَنَاسِكَنَا } شرائع ديننا وإعلام حجّتنا .

وقال مجاهد : مذابحنا والنسك : الذّبيحة ، وأصل النسك : العبادة يقال للعابد ناسك قال الشاعر :

وقد كنت مستوراً كثير تنسّك *** فهتكت أستاري ولم يبق لي نسكاً

فأجاب الله دعاءهما وبعث جبرئيل فأراهما المناسك في يوم عرفة فلمّا بلغ عرفات قال لإبراهيم : عرفت يا إبراهيم ؟

قال : نعم فسمّي الوقت عرفه والموضع عرفات .